الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ما يبين لك أنه لم يُرد بتجريد القرآن تركه الرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد رُخِّص في القليل منها، وكان يحدث هو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بحديث كثير، ولكنه أراد - عندنا - علم أهل الكتاب.
قال: وكيف يكون عبد الله بن مسعود أراد بتجريد القرآن، أن يُتَعَلَّمَ وحده وتُتْرَكَ الأحاديثُ، وهو يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بحديث كثير.
٦٨٨ - قال أحمد: وَرَوْيَنا عن عمر بن الخطاب من متابعتِه سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والبحثِ عنها، والرجوع إليها، ما دل على أنه إنما نهاهم عن الإكثار، لأنهم كانوا يَقْدَمون على قوم قد رغبوا في تعلم القرآن وقراءته ولم يستحكموه، ولو سمعوا الحديث قبل استحكام القرآن، لاشتغلوا بالحديث وتركوا ما كانوا فيه من تعلم القرآن، فقال: لا تصدُّوهم عما هم فيه قبل استحكامه بغيره، نُصْحةً منه لرعيته، وشفقةً منه عليهم وعلى أديانهم.
وقد يكون نهيه عن إكثار الرواية، لِمَا كان يَخاف عليهم في الإكثار من الغلط في الرواية، ولِمَا كان يخاف على الذين كانوا يقدَمون عليهم من حمل ما يسمعون من الأحاديث على غير وجهه، لقرب عهدهم بالإسلام والعلم، فيعظُم ضررُه، ويبعدُ تلافيه، فنهاهم عن الإكثار، وأمرهم بالإقلال، وذلك عند وقوع الحاجة إليه، والله أعلم.
وإلى مثل هذا ذهب فيما رَأَى مِن إمساك مَن أكثر الرواية عنده بالمدينة، وكان رشيدَ الرأي، شديد الأمر فيما وليَ من أمر الأمة.
٦٨٩ - أخبرنا أبو طاهر الفقيه، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين