للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قد احترقت طائرة قريبًا فعندنا يتصوَّر الْإِنْسَان نفسه أنَّه من أصْحاب هَذه الطائرة الَّتِي احترقت وأغلقت عليهم الأبواب وهم يتصَارَخون: هل إلى خروج من سبيل فلا بُدَّ أنه ينزعِج، ولو تصوَّر نفسَه مع أهل النَّار: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: ٣٧]، وقَالَ تَعَالَى: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (٩)} [الهمزة: ٨ - ٩]، هل يشعر بهَذَا الشُّعور؟ الواقِع لا.

فالنَّاس يقرؤون القُرْآن وفيه مثل هَذه الآيات ولكنهم لا ينفعلون، مثلًا لو تصوروا أنفسهم مع هَؤُلَاءِ، ولهذَا يُذكر أن رجلين حاولا أن يركبا في هَذه الطائرة ولكن لم يحصل لهما ذَلِك ولما احترقت مَرِضَا لأنهما انزعجا حيث تصورا أنفسهما لو كانا مع هَؤُلَاءِ لاحترقا.

فأقول: المُؤْمِن حَقِيقَة يشعر بعَذاب الْآخِرَة أكثر، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (٧) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور: ٧ - ٨]، كَانَ عمر - رضي الله عنه - إِذَا قرأها مرض حَتَّى يُعاد (١)، الله أكبر، اللهم ارحم حالنا.

وعلَيْه فنأخذ من هَذَا فَائِدَة وهي وُجوب سد ذرائع الفَواحِش؛ لأنه إِذَا كَانَ الَّذِي يحب كثرتها في النَّاس يُعذب فكَيْفَ بمن حاول أن يكثرها بفعله فإنَّه يعذب مِنْ بَابِ أَوْلَى، عَلَى كُلِّ حَالٍ هَذَا فَهْم بعيد لكن له وجه.

الفَائِدة الخَامِسَة: فضل الله على المُؤْمِنِينَ في حماية أعْرَاضهم حيث توعد من أحبَّ أن تشيع الْفَاحِشَة فيهم.


(١) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٧/ ٦٣١).

<<  <   >  >>