الفَائِدة الثَّالِثَة والرَّابِعَة: التَّحذِير من محبَّة إشاعة الفَواحِش، ولَيْسَ المَقْصُود من ذَلِك الإخبار بأنهم يُعذبون بل المَقْصُود من ذَلِك التَّحذِير من محبَّة الْفَاحِشَة في المُؤْمِنِينَ فكَيْفَ بمن يشيعها بنَفْسِه.
لو قَالَ قَائِل: قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} هل المُراد أن يشيع فعلها وتكثر الفَواحِش في المُؤْمِنِينَ أو المُراد أن يشيع خبر الْفَاحِشَة؟
الجواب: كلاهما صحيح، وإن كَانَ المَعْنى الأَخِير لم يخطر على بالي أن المُراد من انتشار الْفَاحِشَة أن يشيع فعلها، لكن لو قَالَ قَائِلٌ: إنه هو ظاهر اللَّفْظ في قَوْلهُ: {تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} ولم يقل: خبرها، وإشاعة خبرها يؤخذ من سِيَاق القصَّة؛ لأَن القَضيَّة فيمن جاءوا بالإِفْك أي فيمن أشاعوا الخبر، لكن قطعًا هَؤُلَاءِ الَّذينَ أشاعوا الخبر يحبون أن تشيع الْفَاحِشَة بين المُؤْمِنِينَ ولِذَلك نشروها فيَكُون ذَلِك مقياسًا لغيرهم.
فعَلَى كُلِّ حَالٍ يظهر أنَّ الآية عامَّة لهَذَا ولهذَا، أن يشيع خبرها وتنتشر إِذَا فُعلت وأن يشيع فعلها وتكثر الفَواحِش في المُؤْمِنِينَ، كُلُّ هَؤُلَاءِ الَّذينَ يحبون هَذَا وهَذَا {لَهُمْ عَذَابٌ أليمٌ فِي اَلدُّنيَا وَالآخِرَةِ}{وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى}[طه: ١٢٧]، لكن لما كَانَ عَذاب الْآخِرَة أَشَدّ من جهة تأْثِيره على الْإِنْسَان فيَجب على المُؤْمِن أن يَكُون شعوره بعَذاب الْآخِرَة أَشَدّ من شعوره بعَذاب الدُّنْيَا، لكن لضعف إيماننا نشعر بعَذاب الدُّنْيَا أكثر مما نشعر بعَذاب الْآخِرَة، ولهذَا يذكر الله عَذاب الدُّنْيَا لأنَّه مباشر لِلإنْسان ويُمْكِن أن يؤثر علَيْه أكثر مع ضعف إيمانه.