قَوْلهُ:{وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} الغَفور مأخُوذ من المغْفِرة، وهي ستر الذَّنب مع التَّجاوز عنه، ولَيْسَ مطلق السِّتر بل مع التَّجاوُز، أما السِّتر بدون تجاوز فلَيْسَ بمَغْفِرة، وإنما قُلْنا: إنما هي السِّتر مع التَّجاوُز لأَن التَّجاوُز هو الَّذِي به الوقاية من الْعَذَاب وأصل ذَلِك من المِغفر فإن المغفر يستر الرَّأْسَ ويقيه، ويدُلّ أيضًا على أن المغْفِرة هي السِّتر مع الوقاية أنَّه جاء في الحديث الصَّحيح عن النَّبِيّ عليهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:"أَنَّ اللهَ يَخْلُو بِعَبْده المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُقَرِّرْهُ بذُنُوبِهِ، حَتَّى إِذَا أقرَّ بِهَا قَالَ اللهُ: قَدْ سَتْرَتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأنا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْم"(١).
فدل ذَلِك على أن المغْفِرة غير السِّتر وإلا لكانت المغْفِرة من قبل في الدّنْيَا لكنَّه ستر مع عدم العُقوبَة، يعني السِّتر مع التَّجاوُز، فالمغْفِرة شَيْء والسِّتر شَيْء آخر، لكن كُلّ مَغْفِرة تتضمن السِّتر، ولَيْسَ كُلّ سترٍ يتضمَّنُ المغْفِرةَ؛ لأنَّ مَنْ غفر لك ولم يعاقبْكَ معناه أنَّه ستر عَليْك، إِذْ لو عاقبك لفضحك.
إذا قَالَ قَائِل: إِذَا فعل الْإِنْسَان خطيئة وافتضح في الدُّنْيَا هل يُعد هَذَا سترًا؟
الجواب: في هَذه الحال إِذَا فُضح ثم غُفر له صَارَ سترًا؛ لأنَّه إِذَا افتضح عند معاصريه وعند من حوله ولم يغفر له معناه أنَّه افتضح عند جميع النَّاس، فإذا افتضح
(١) أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا} ويقول: الأشهاد هَؤُلَاءِ الذين كذبوا، حديث رقم (٤٦٨٥)، ومسلم، كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله، حديث رقم (٢٧٦٨)، عن ابن عمر.