لو قَالَ قَائِل: كَيْفَ الجمع بين قَوْلِه تَعَالَى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ} وبين قَوْلهُ وتعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ}[يس: ٦٥]؟
الجواب: المُراد بالخَتْم على الأفْواه بحيثُ لا ينكرون، ولا يُنافي أن تشهد الألْسُن بما يضاد مراده، يعني أن اللِّسَان يدافع عنهم ولكن يشهد بخلافه، فيصير اللِّسَان لسانين: لسان شاهد وموافق للجوارح وهر المَقْصُود بهَذه الآية، ولسان آخر منكر وهو موافق لمراد صاحبه، فلو أنكر إِنْسَان باللِّسَان الَّذِي يتابعه بإرادته، نفس اللِّسَان يشهد عليه، والحكْمَةُ والله أعلم من ذكر اللِّسَان لأَن القَذْف إنما حصل به، ولهذَا قدمه على الأيدي والأرجل.
أو يُقالُ: إن القِيامَة مواقِف؛ لأَن يوم القِيامَة بخمسين ألف سنة، فتارة كذا، وتارة كذا، مثلما جمع ابن عباس -رضي الله عنهما- بين قَوْله تَعَالَى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (٤٢)} [النساء: ٤٢]، فقَوْلهُ:{وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} يعني: كُلُّ شَيْء يخبرون به، وقال في آية أُخْرَى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣)} [الأنعام: ٢٣]، وهَذَا جُحود، فكَيْفَ نجمع بين الآيتين؟
الجواب: أن نقول إن القِيامَة مواقِف، وهَكَذا أيضًا جمع بعض العُلَماء بين قَوْله تَعَالَى: {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (١٠٢)} [طه: ١٠٢]، وقَوْلهُ:{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}[آل عمران: ١٠٦]، فهُنا سواد وهناك زرقة.
والجمع: منهم من قَالَ هَذَا باعتبار مواقِف القِيامَة، ومنهم من قَالَ: إن الزرقة في العيون والسَّواد في الوجوه، ومنهم من قَالَ: إن النَّاس يختلفون، الْكُفَّار منهم أزرق ومنهم أسود، عَلَى كُلِّ حَالٍ أهْل العِلْم رَحمهم اللَّهُ لجئوا إلى الجمع بين الآيَات