إِذَنْ العَمَل يطلق على القَوْل وعلى الفِعْل بل قَالَ أهل السُّنَّةِ والجماعة في بحثهم في الإِيمَان: إن العَمَل يشمل عمل اللِّسَان وهو القَوْل وعمل الجوارِح وهو الفِعْل وعمل الْقَلْب أيضًا، عمل الْقَلْب مثل خوفه ورجائه ومحبته وما أشبه ذَلِك، يعني الحركة الْقَلْبية.
فإذا قِيلَ: عمل يشمل القَوْل والفِعْل، وإذا أردت أن تُقَسِّم تقول قَوْل وفعل إِذَا سمعت عِبارَة فيها قَوْل وعمل فاعلم أن هَذَا من باب التجوُّز؛ تجوز بالعَمَل عن الفِعْل، وإلا فالأَصْل أن الفِعْل قَسيم القَوْل لا أن العَمَل قسيم القَوْل، والفَرْق عَظِيم إِذَا قلت: عمل يشمل القَوْل والفِعْل، وإذا قلت: فعل يختص بالفِعْل الَّذِي هو عمل الجوارِح والقول عمل اللِّسَان، فالعَمَل يشمل قَوْل اللِّسَان وفعل الجوارِح لكن الفِعْل يختص بفعل الجوارِح فقط.
وقَوْلهُ:{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ} اللِّسَان يشهد على الْإِنْسَان لكن كَيْفَ يشهد؟
يَقُول لهذَا القاذِف للمحصنة الغافِلة المُؤْمِنة: إنك قذفتها، لسانه نفسه يَقُول: إنك قذفتها، مع أن العَمَل في الدُّنْيَا عمل اللِّسَان في الحقيقَة، ومع ذَلِك يشهد اللِّسَان على صاحبه بهَذَا القَوْل الَّذِي هو القَذْف.
قَوْلهُ:{وَأَيْدِيهِمْ} أيضًا تشهد عليهم {وَأَرْجُلُهُمْ} كَذلِكَ تشهد عليهم، وقد ذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن هَذه الأعضاء تشهد على الْإِنْسَان يوم القِيامَة وكَذلِك ذكر أن الجلود تشهد أيضًا وأنه يحصل محاورة بين الْإِنْسَان وبين جلده قَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١)} [فصلت: ٢١].