وقَوْلهُ:{الْحَقَّ} بمَعْنى العَدْل وَذلِك لأَن (الحقّ) إن قِيلَ في مقابلة الجيْر فهو بمَعْنى الصِّدق، وإن قِيلَ في مقابلة الحُكْم سواء كَانَ الحُكْم تَشْريعيًّا أو جزائيًّا فمعناه العَدْل، هُنا قِيلَ في مقابلة حكم جزائي، وعلَيْه فيَكُون المُراد بالحقِّ يعني العَدْل الَّذِي لَيْسَ فيه ظلم ولا جور، وهَكَذا جزاء الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يَكُون دائمًا حقًّا يعني عدلًا لَيْسَ فيه جور.
لو قَالَ قَائِل: جزاء الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بالحسنات الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كَثيرَة هل ينافي هَذه الآية أو لا؟
الجواب: لا ينافيها؛ لأَن هَذَا عدل وزيادة، فكون الله يجازي العامِل أكثر من عمله هَذَا عدل وزيادة، لكن كون الْإِنْسَان يجازي غيره على عمل سيئ فيعاقبه بأكثر مما يستحق هَذَا جَوْر، فالله تَعَالَى منزه عن الأَخِير لأنَّه جَوْر، لكن الأوَّل فضل من الله والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ذو الفَضْل العَظِيم.
قَوْلهُ:{وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} في هَذه الجُمْلَة مؤكدان وإن شئنا قُلْنا: ثلاث مؤكدات: (أنَّ)، وضمير الفصل والمؤكد الثَّالث الجُمْلَة المكونة من مُبْتَدَأ وخبر كلاهما معرفة، وكون المبتدأ والخبر معرفة هَذَا يُفيد التَّوكيد والحصر، إِذَنْ فالله تَعَالَى هو الحق مؤكد بهَذه المؤكدات الثَّلاث، لكن ما معنى كون الله حقًّا؟
الجواب: أولًا: وجوده حق أي: ما يستحقه من الحقوق حق كالعِبادَة مثلًا فهو الإله الحق، ما صدر عنه من خبر أو حكم فهو حق.
إِذَنْ فهو الحق في ذاته وجودًا واستحقاقًا وكَذلِك أحكامًا، فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالى موجود حقًّا وهو المستحق لِمَا يختص به حقًّا لا يشاركه أحد فيه، وهو سُبحَانَهُ وَتَعَالى لا يصدر عنه إلا الحق يعني أحكامه، وأفعاله كلها حق.