للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجواب: كلاهما، الواقِع أن الله تَعَالَى بَيِّن الأحقية وقد أبان لعباده كونه حقًّا كما في قَوْله تَعَالَى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩)} [يس: ٦٩].

والحاصل أن كَلِمة مبين تستعمل من المتعدي واللازم، لأَن أصلها أبان رباعي والَّذِي يستعمل لازمًا ومتعديًا، فإن كَانَ لازمًا فهو بمَعْنى بَيّن ومنه قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: ١٦٤]، وإن كَانَت من المتعدي فهي بمَعْنى مظهر، مظهر للشَيْء، فأبنته بمَعْنى أظهرته حَتَّى بان ومنه قَوْله تَعَالَى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩)} [يس: ٦٩]، أي: مظهر، لقَوْلهُ: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} [يس: ٧٠].

وكَذلِك قَوْله تَعَالَى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)} [الشعراء: ١٩٥]، بمَعْنى مظهر وإن كَانَ من اللازم أنَّه إِذَا كَانَ مظهرًا فهو ظاهر في نفْسِه، فالمبين بمَعْنى المظهر لا بُدَّ أن يَكُون بينًا بنَفْسِه وإلا لما أظهر.

قَوْلهُ: {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} هَذه الآية هل ننزلها على المبين اللازم أو المبين المتعدي؟

الجواب: في الحَقيقَة تنزل على كليهما، لأَن الله تَعَالَى بَيِّن الأحقية ومبين ذَلِك لعباده، كَيْفَ أبان لعباده أنَّه حق؟ أولًا: بما ركب فيهم من الفطر السَّليمة والعقول، ولهذَا دائما يحيل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى هَذه الْأُمُور إلى العَقْل فقَوْلهُ: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٦٠)} [القصص: ٦٠]، دَليل على أن العَقْل مرجع، لكن المُراد بالعقل العَقْل السَّليم الَّذِي لَيْسَ فيه شبهات ولَيْسَ فيه شهوات، وأما العَقْل الَّذِي استولت علَيْه الشُّبُهَات أو الشَّهَوَات فهَذَا عقل فاسد لا يحكم بشَيْء.

<<  <   >  >>