للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كل هَذا موافقَةً للقَاعِدَة الَّتي هي حِكْمَة الله عَزَّ وَجلَّ.

قوْله: {وَالطَّيِّبَاتُ} أي منَ النِّسَاء ومنَ الكَلِمات أيضًا {لِلطَّيِّبِينَ} يَعْني ما يَلِيق بهم إلا هَذا، فلا يَلِيق بالطَّيّب إلا الكَلِماتُ الطَّيِّباتُ والنِّسَاءُ الطَّيِّباتُ، ولهذا فإنَّ الله سُبحَانَهُ وَتَعالى طيبٌ لا يقْبَل إلا طيبًا (١)، فلو تصدَّق إنسانٌ بمالٍ كَثير مِن كسْبٍ حرَامٍ فإنَّ اللهَ لا يقْبَلُه؛ لأنَّه خَبِيثٌ والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى طيِّبٌ لا يقبَل إلا طيبًا.

وتأمَّلْ هَذِه القَاعِدَة العامَّة تجدْها في كلّ شيْء.

فإِن قِيل: ولكنَّ الآياتِ الَّتي قبلَ هَذِه الآيةِ جاءَت فِيها مسألَةُ اللِّعان، وهِي لا شكَّ تنْتُج من اجتماعِ زوجة خَبِيثة تحْتَ زوْجٍ طيِّبٍ؟

قُلْنا: لا تكونُ المرأةُ خَبِيثَةً في مسألَة اللِّعانِ إلَّا لو ثبتَتْ علَيْها هذِه التُّهمَة، وإذا ثبتت فإنَّ هَذا أمرٌ نادر، وفي اللِّعان لو لَاعَن الزَّوجُ ثبَت الحدُّ حتَّى ولو لم يأتِ بأرْبَعة شُهداءَ، بخلَاف غيْرِه.

والقَواعِدُ العامَّةُ لا ينقُضها اختلافُ فرْدٍ مِن أفرَادِها، فقدْ تتوفَّرُ الأَسْباب لكِنْ تُوجَدُ معَها موانِعُ تمْنَع هَذه الأَسْباب، كما يَرِد علينا كَثيرًا أنَّ الشَّارع جعَل هَذا الأمْرَ سببًا لكِن قد يتخلَّف حُكْمه لوُجودِ مانِعٍ أقْوَى منَ السَّبب، وكذَلِك في بعْضِ الأحْكَام الشَّرْعية قد تُوجد أَسْباب الصِّحَّة وأَسْباب الاستِحْقاق، لكِنْ يُوجَد مانِعٌ يمْنَعُها، وهَذا كَثيرٌ في الأحْكَام الشَّرْعية، وفِي الأخْبَار، وفِي القَواعِد العامَّة.

قوْله: {أُولَئِكَ} أي الإِشارَة إلى الطَّيِّبين والطَّيِّبات {مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ}


(١) أخرجه مسلم: كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، رقم (١٠١٥).

<<  <   >  >>