لهُ مِن خشب، فأناخ هَذا الرَّجُل عنْد خشب جارِه ليَحْمِله وهو يظنُّه خشبَه، فلمَّا حمله على بَعيرِه وأرادَ أن يُقوِّمه رفض البعيرُ أنْ يقُوم، فنزَّل الحِمْل كلَّه فقام البعير، فلمَّا تأمَّل حولَه عرف أنَّه كان قد حَمل على البَعِير خشبَ جارِه، فوقَاه الله عزَّ وجلَّ أن يحْمِل خشبًا ليْس له، وهَذا من حِمايَة الله عزَّ وجلَّ، وهَكَذا فإنَّ من حِماية اللهِ للعَبْد لو عرف من نيَّته الأمانَة والعِفَّة فإنَّه يُبعد عنه أَسْباب الفساد.
بخلَاف المرْء الخبيثِ الَّذي يعلَمُ اللهُ منه أنَّه يَمِيل للشَّرِّ والفساد فإنَّه قد تتهيَّأُ له أَسْبابُ الشَّرِّ والفساد حتى يقَع فيه.
ومن أمْثِلة دفع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى الخُبْث عن الطَّيِّب ما جاء في قِصَّة جُريجٍ العابِد، فقدِ اتهمَتْه امرأَةٌ بغِيٌّ في نفسِها، وجاءت بطِفْل مِن راعٍ فاتَّهمت جُريجًا فيه، لكنَّ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أنطق الطِّفل في المهْدِ فأشار إلى الرَّاعي وقَال هَذا أبي، فبرَّأه الله مما اتَّهمته به (١)، وهَذا شيْءٌ قدرِيّ.
قَال المُفَسِّر رَحَمَهُ اللهُ:[وَقَدْ افْتَخَرَتْ عَائِشَة بِأشْيَاء مِنْهَا أَنَّهَا خُلِقَتْ طَيِّبة وَوُعِدَتْ مَغْفِرَة وَرِزْقًا كَرِيمًا]، أي كأنَّها -رضي الله عنها- فهمت أن هَذِه الآية قد نزَلت فِيها، فكانَتْ تفتَخِر بها، والمرادُ بالافْتخار هنا التَّحدُّث بنعمة اللهِ، لا إظهارُ العُلوِّ على النَّاس.
فالافْتِخارُ يكونُ بوَجْهين:
الأوَّل: أن يتحدَّث المرءُ بنعمة الله عَزَّ وجلَّ علَيْه، وهَذا افتِخار طيِّبٌ، وهو مما
(١) أخرجه البخاري: كتاب المظالم والغصب، باب إذا هدم حائطا فليبن مثله، رقم (٢٤٨٢)، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة، رقم (٢٥٥٠).