وكذَلِك فإنَّ وصف المُخاطَبين هنا بالإِيمَان في قولِه تَعالَى:{الَّذِينَ آمَنُوا} يدُلّ على أن هَذا العَمل منَ الإِيمَان، وأن مخالَفتَه مما يُنقِص الإِيمَان، ويُراد به أيضًا الإغْرَاء على الْتِزَام الحُكْم، لأنَّ هَذا الوصْف معناهُ أنَّ الحُكم التَّالي من مُقتَضى الإِيمَان، مثل لو قِيل:"يَا رجُلُ افْعَل كذا" فهَذا يقْتَضي الحثَّ والإغرَاء لأنَّ مقتضاه أنَّ مِن رُجولَتِك أن تفْعَل هَذا الأمْر.
فصار الغَرَض مِن توْجِيه النِّداء إلى المُؤْمِنين بوَصْف الإِيمَان الحثُّ والإغرَاء على الْتِزام هَذا الحُكم، فكأنَّه يُقَال: إن كنْتَ مُؤْمِنًا فافْعَل كذا.
قَال تَعالَى:{لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا}، (لا) ناهِيَةٌ، والأَصْل في النَّهي التَّحريم، وقوْله:{بُيُوتًا} عامٌّ لكونِه نكرِةً في سِياق نهْيٍ، فالمُرادُ: لا تدْخُلوا أيَّ بيْتٍ غير بُيوتِكم الَّتي تملِكُونها إلا بعْد أمْرَيْن:
الأوَّل: حتى تستَأْنِسوا.
الثَّاني: وتسلِّموا على أهلِها.
قَال المُفسِّر: [{تَسْتَأْنِسُوا} أَي تَسْتَأْذِنُوا]، وتفسِير الاسْتِئْناس بالاسْتِئْذان هو تفسيرُ الشَّيْء ببعْض أفْرادِه ليكُونَ ذَلِك كالمثَال، لأنَّ الاسْتِئْناس أعمُّ منَ الاسْتِئْذان، فقد يستَأْنِس الإِنْسان ولا يكونُ في قلبِه وحشَةٌ مِن دُخول هَذا البَيْت وإنْ لم يَستَأْذن، وحينها لا يكون علَيْه إلا السَّلام، كما لو دَعاك إنسانٌ إلى بيتِه بعد صلاة الظُّهر فلمَّا جئتَ وجدْتَ البابَ مفْتوحًا، فهُنا ليْس عليْك الاسْتِئْذان، ولكِن بَقِي عليْك أن تُسلِّم، لأنَّ الاسْتِئْذان هُنا لا محلَّ له، لأنَّ الرَّجُل قد دَعاك وعيَّن الوقت، وأنتَ جئْتَ فوجدْت الْباب مفتوحًا.