للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبهَذا نعرف أن هَذِه القِراءَة السبعيَّة أصحُّ منَ القِراءَة الَّتي وردَت عن ابْنِ عبَّاس - رضي الله عنها - في قوْلِه: "حتى تسْتأذِنُوا" (١)، وكذَلِك ورَد عنه في الحدِيث: "أنَّ كلمة {تَسْتَأْنِسُوا} خطأٌ منَ الكَاتِب" (٢)، فهَذا لا يصحُّ عن ابن عباسٍ وإِنْ كان قدْ ذُكر في نصِّ الحدِيث؛ لأنَّ الكَاتِب لا يُمكِن أن يُخطِئ في حرفٍ من كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ ثم تتلقَّاه الأمَّةُ بالقَبُول، لأنَّه لو فُرِض هَذا الشَّيْء لاقْتضَى أنَّ الله لم يحفَظْ هَذا الذِّكر، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى يَقُول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩]، فكيْف يخطِئ الكَاتِب وتتلقَّاه الأُمَّة بالقَبُول، وتقرأُ بِه في صلاتِها، وتعلِّمُه صِغارَها؟ ! هَذا لا يُمكِن.

ومثل هَذا الحدِيث إذا وَرد يُمكِن إعلالُه ولو كان صحيحَ السَّند؛ لأنَّه مِن جملة ما يدُلّ على ضعْفِ الحدِيث أن يكُون مخالفًا لما عُلم بالضَّرورة منَ الشَّرْع أن هَذا الحدِيثَ لا يصِحُّ، فيجِب أن نحكُم ببُطلَانه؛ لأنَّه لا يُمكِن لرُواةٍ أن يأتُوا بما يخالِفُ المعلُوم بالضَّرورَة من أحكام الإِسْلام.

كما أنَّ تناقُل القرآنِ الكَريم لَيْست وسيلتُه الكتابةَ فقط، بل بالنُّطق أيضًا، ولو فرَضْنا بجَواز كِتابة شيْءٍ منْه خطأً، فإنَّ النُّطق سيَبْقى سليمًا، وهَذِه القِراءَة المرويَّة عن ابْن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - لم تصِحَّ في شيْءٍ منَ القراءاتِ السبعيَّة، بل هي شاذَّةٌ.

فتفسير الاسْتِئْناس بالاسْتِئْذان هو من بَاب تفْسِير العامِّ ببعْض أفرَادِه، والمُفَسِّرون قد يُفسِّرُون أحيانًا الشَّيْء ببعْض أفرادِه مِن باب التَّمثيل، كما في قولِه


(١) المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها (٢/ ١٠٧).
(٢) المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها (٢/ ٣٩٣).

<<  <   >  >>