للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَعالَى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ}، قَال: [الباخل بالزَّكاة]، {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} قَال: الباذِل للزَّكاة الواجِبَة، {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: ٣٢]، قَال: البَاذل للصَّدقَة بعد الزَّكاة، فهَذا تفسِيرٌ بالمثال فقَط، لا عَلى أنَّ الآيَة يُراد بِها ما ذُكِر.

قوْله: {وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} بدأ اللهُ بالاسْتِئْذان قبْلَ السَّلام، وهَذا هو التَّرتِيب الطَّبيعيُّ؛ لأنَّك لو استأذنْتَ علِمْت أنَّ في البَيْت أحدًا فتُسلِّم، فالآيَة مُرتَّبة على التَّرتيب الطبيعيِّ: الاسْتِئْذان أوَّلًا، ثم السَّلام ثانِيًا، قبل أن يتكلَّم الإِنْسان بأي شيْء.

وقَال المُفَسِّر: (فَيقُول الْوَاحِد: "السَّلَام عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ " (١)، كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيث)، وهَذا الحدِيث الَّذي ورد يُحمَل على ما لو كان المسْتَأْذِن عالمًا بأن صاحِبَه موجودٌ، فحينَئذٍ يُسلِّم علَيْه ثم يَستَأْذن، أمَّا لو كَان لا يَعْلم فيُقدِّم الاسْتِئْذان أوَّلًا ثم يُسلِّم.

ولهَذا اختلف العُلَماءُ في مسألَة: هل تسْتَأذِن أوَّلًا، أو تُسلِّم أوَّلًا؟ على أقوالٍ ثلاثَةٍ: فمِنْهم مَن يرى تقديمَ الاسْتِئْذان على السَّلام؛ لظاهر الآيَة: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا}.

ومنْهُم من يرى أن السَّلام قبل الاسْتِئْذان؛ لأحاديث وردت في ذَلِك.

ومنْهُم مَن يرى أنَّه لو علِم أنَّ صاحب البيْتِ موجودٌ فعلَيْه أن يُسلِّم أوَّلًا ثم يَستَأْذن، وأمَّا إذا لم يعْلَم بوُجودِه فإنَّه يَستَأْذن أوَّلًا ثُمَّ يُسلِّم، وهَذا القوْل أصحُّ الأقوالِ الثَّلاثَة؛ لأنَّ فيه جمعًا بين الآيَة والأحاديث الوارِدَة، ولأنَّه موافِقٌ تمامًا للنَّظر.


(١) أخرجه الترمذي: كتاب الاستئذان والآداب، باب ما جاء في أن الاستئذان ثلاث، رقم (٢٦٩٠).

<<  <   >  >>