للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدُّخول، فكما أنَّه لا إِذن مَع عدَم وُجود أحدٍ، فكذَلِك لا دُخول بدُون إذْنٍ، لكنَّها جاءت بهَذِه الصيغة -والله أعلم- إِشارَةً إلى أن العِلَّة في الدُّخول وعدمه هو الإِذن.

فإن انتظرتُم حتَّى جاء صاحِبُ البَيْت وأَذِن لكم فادْخُلوا، وإن انصرَفْتم فلا حرج.

قوْلُه تَعالَى: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا}، فلو طلب منك صَاحِب البَيْت ارْجِع، فلَيْس لك أن تأْنْف من هَذا لو فَعله، أو تُصرَّ على الدُّخول، بل ترْجع؛ وفي هَذا دَليلٌ على أن هَذا الإِنْسانَ صَريحٌ، ويجِبُ عَلى من استأْذَن لو طُلب منْه الرُّجوعُ أن يَرْجع.

ولما كان هَذا الرُّجوع شاقًّا على النُّفوس رَغَّب فيه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى بقوْله: {هُوَ أَزْكَى لَكُمْ}، أي أن الرُّجُوع أزْكَى لكم منَ القُعود على البَاب، وقَال المُفَسِّر: [{ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ} أَي الرُّجُوع {أَزْكَى} أَي خَيْر {لَكُمْ} مِنَ الْقُعُود عَلَى الْبَاب] والمفضَّل علَيْه هُو القُعود على الباب، ولكن يَنْبغي أن نَقُول: إن الآيَة عامَّة، أي أن هَذا أزْكى لكم مُطلقًا، سواء قعدْتُم على البَاب، أو ألححْتم وأحْرَجْتم صاحبَ البَيْت.

وقوْلُه تَعالَى: {أَزْكَى} أي: هَذا الرُّجُوع أشدُّ زَكاءً للإِنْسان، والزَّكَاء هو سُموُّ الأخْلاق وعُلوُّ الآداب، وكذَلِك من نَاحيَة العِبادَة، فزَكاء الإِنْسان عبارَةٌ عنْ نماء أخلاقِه وآدابِه ودِينِه أيضًا.

قَال بعْضُ السَّلف: "لَقَدْ طلبتُ عُمْرِي كلَّه هَذِهِ الآيَةَ فَمَا أَدْرَكْتُهَا: أَنْ أستأذِنَ عَلَى بَعْضِ إِخْوَانِي، فَيَقُولُ لِي: ارْجِعْ، فَأَرْجِعُ وَأَنَا مُغْتَبِطٌ" (١)، وذَلِك كي يحصُل


(١) تفسير ابن كثير ت سلامة (٦/ ٤١).

<<  <   >  >>