وفي هَذِه الآيَة من بَيان صَراحَة الإِسْلام، وآدابِه، مَا فيها، وأنَّ الإِنْسان يَنْبغي أن يكُون صريحًا غير ملتَوٍ، فإن كُنت أرْغب أن تدْخُل فآذن لك، وإن كنْت لا أرغبُ أقول: ارْجع، وهَذا كَثيرٌ منَ النَّاس لا يفعَلُه، ولكن الشَّرْع يُبيحه للإِنْسان، فيَجوز أن تقولَ لمن استأذَن عليْك: ارْجع، وإذا رَجع كان ذَلِك أزْكَى له.
وكذَلِك عليْكَ لو استأذَنْت أحدًا فطلب منك الرُّجُوع أن ترْجِع، ولا تأْنَف من ذَلِك؛ لأنَّه أزْكى لك، وأوْلَى بك من أن يأَذْن لك على مَضضٍ منه، أو يترك شيئًا مُهِمًّا يشغلُه فيلْقَاك وهو متأذٍّ.
قوْل المُفَسِّر: [{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ} مِنَ الدُّخُول بِإِذْنٍ وَغَيْر إذْن {عَلِيمٌ} فَيُجَازِيكُمْ عَلَيْهِ]، (ما) اسْم موْصُول، أي: بالَّذي تعمَلون، واسم الموصُول يُفيد العُموم، وتقييده بالدُّخول بإِذنٍ أو بغَيْر إذْنٍ مما لا يَنْبغي؛ أي نَعم هُو جاء كذَلِك في السِّياق، لكنَّ العِبْرَة بعُمومِ اللَّفظ، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى منَ الدُّخول بإذن وبغيرِ إِذْن، والرُّجُوع إذا قِيل: ارجعوا، وعدم الرُّجُوع، وغير ذَلِك أيضًا من أعمالِنا {عَلِيمٌ}، حتى بأعمال القُلُوب.
والفَائِدَةُ من كوْن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يعلِّمُنا بأنَّه عليمٌ بأعمالِنا هِي الحَذَر، كما قَال تَعالَى:{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ}[البقرة: ٢٣٥]، فالحَذر منْه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إذا عمِلْنا معصِيَةً، وكذَلِك يُوجب الرَّغبة فيما عنْدَه إذا عمِلْنا طاعةً لعلمنا أنَّه عَزِّ وَجَلَّ يعلَمُ مَا نفْعَل من خَيْر وسيُجازِينا علَيْه، وأنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يُضِيع عمَلَ عامِلٍ.