للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القسْم الثَّاني: بُيوت ليْس فيها أحدٌ، لكنَّها مسكُونَةٌ، فهَذِه أيضًا لا بُدَّ فيها منَ الاسْتِئْذان، ولا ندخُلُها حتَّى يُؤذَن لنا.

القسْم الثَّالث: بُيوت غيرُ مسكونَةٍ، فهَذِه إن كانَ فِيها متاعٌ لَنا فلَيْس علَيْنا جُناحٌ فِي دُخولهِا، وظاهِرُه إنْ لم يكُنْ لَنا فِيها متَاعٌ فإنَّه لا يَجوزُ دُخولهُا؛ والسَّبب أنَّها وإنْ كانت غيرَ مسكُونَةٍ لو دخلْنَاها وليْس لَنا فِيها متَاعٌ لأوْجَب ذَلِك التُّهمَة من جهَةٍ، ويُوجب أيضًا المخاصَمة مَع صاحِبها، إذ البَيْتُ لهُ وليْسَ لغيرِه دخولُه أو التَّصرُّف فيه بدُون إذْن صاحِبِه.

قوْلُه تَعالَى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ}، وقد قَال في الآيَة قبلها: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}، و {يَعْلَمُ} فعل، أمَّا {عَلِيمٌ} فاسْمٌ وهِي باعتِبَار وصفِ اللهِ بالعِلْم، فالعِلْم صفة أزليَّةٌ أبديَّةٌ ولَيْست بحادثَةٍ، فعِلْم الله عَزَّ وَجَلَّ لا يتجدَّد، فهو كَان ولم يزَلْ عالمًا بما كَان ومَا هُو كائِنٌ وما سيَكُون.

أمَّا قوْله {يَعْلَمُ} فقد قَال العُلَماء: إن الجمْلَةَ الفعليَّةَ تدُلُّ على التَّجدِيد والحدُوث، وحينَئذٍ يشكُل عليْنا هَذا؛ لأنَّ القَاعِدَة عندَنا أنَّ علْمَ الله أزليٌّ أبديٌّ.

فنَقُول: إن المرادَ هُنا ربْطُ عِلْم الله بالعَمل، وربْطُ علمِه تَعالَى بالعَمَل يقَع كَثيرًا في القُرْآن، كما في قوْلِه تَعالَى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [محمد: ٣١]، وقوْله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: ١٤٢]، وما أشْبه ذَلِك.

فهَذا يدُلّ على أنَّ علْم الله تَعالَى مقْرون بالعَمل، وليس قرْنه بالعَمَل مِن أجل أنَّه تجدَّد بعْد وقُوع العَمل، لكِنْ لأنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يعلَمُ بالشَّيْء قبْل وجودِه أنَّه سيَقع، ويعْلَم بالشَّيْء بعْدَ وُجودِه أنَّه قد وَقع.

<<  <   >  >>