للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

و (اللَّام) في قَوْلهُ: {لِيُعْلَمَ} هل هي للتَّعليل أو للعاقبة؟ المَعْنى يختلف، فإذا قلت: إنها للتَّعليل صَارَ النَّهْي منصبًّا على ما إِذَا قَصَدت ذَلِك؛ أي: ضربت برجلها لأجل أن يُعلمَ، وعلَيْه فلو ضربت برجلها على حشرة مثلًا أو على عقرب أو ما أشبه ذَلِك وسمع الخلخال فإنَّه لا حرج عَلَيْها في ذَلِك، لأنَّها لم تقصد أن يعلم ما تخفي من زينتها، وإذا جعلنا (اللَّام) للعاقبة، يعني: لا تضرب برجلها فإن عاقبة هَذَا الضرب أن يعلم ما تخفي من زينتها، فصَارَ النَّهْي عن الضرب بالرّجل مطلقًا سواء أَرَادَت ذَلِك أم لم ترده، لا شَكَ أنَّنا إِذَا نظرنا إلى المحذور من هَذَا الضرب وهو عِلْم ما أُخْفِي من الزِّينَة فإن هَذَا محذور.

لا فرق بين أن تَكُون المَرْأَة قاصدة له أم غير قاصدة، هَذَا المحذور سيحصل إِذَا ضربت حَتَّى سُمِع صوتُ الخَلْخَال، وعلى هَذَا فيُرجَّح أن يمُون اللَّام للعاقبة، ذَلِك لأَن المحذور سيقع، وإذا نظرنا إلى أن المَرْأَة إِذَا لم ترد هَذَا الشَّيء فقد قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنياتِ" (١)، وهي ضربت برجلها لا لهَذَا الغرض فلا تَكُون آثمة به.

ولام التَّعليل وردت كثيرًا في القُرْآن كقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: ٢٣١]، وقَوْله تَعَالَى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: ٨]، هم لم يلتقطوه لِذَلك إنما التقطوه ليَكُون قرة عين لهم، لكن العاقبة صَارَت هكذا.

فعَلَى كُلِّ حَالٍ الَّذِي يظهر أن ترجيح كون اللَّام للعاقبة أولى، وَذلِك لأَن المفسدة والْفِتْنَة حاصلة سواء أَرَادَات أو لم ترد، إِذَا كَانَ لا يجوز لها أن تضرب


(١) أخرجه البخاري واللفظ له، كتاب بدء الوحي، باب بدء الوحي، حديث رقم (١)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال ... "، حديث رقم (١٩٠٧)، عن عمر بن الخطاب.

<<  <   >  >>