للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مع كمال غناه عنا وكمال حاجتنا وفقرنا إلَيْه يفرح بتوبة عبده المُؤْمِن أَشَدّ من فرح هَذَا الرَّجل براحلته، ولهَذَا أمر الله تَعَالَى بالتَّوبة مع العناية بها بتأكيدها بهَذه الوجوه الثَّلاثة.

الفَائِدة الثَّالِثَة: كرم الله تَعَالَى وفضله، نأخذ الكرم والفضل من محبته للتوبة، يعني كونه يحب أن يتوب النَّاس حَتَّى لا يعاقبهم يدُلّ على كرمه وفضله وأن رحمته سبقت غضبه، بخلاف من لا رحمة عنْدَه، لنفرض مثلًا مدرسًا أو ملكًا أمر بشَيْء أو نهى عن شَيْء، قد يَكُون بعض الَامرين أو النَّاهين يحب من النَّاس المخالفة لأجل أن يعاقبهم، فيُظهر بِذَلِك سيطرته عليهم، من أجل أن يعرفوا أنَّه له أمر وله نهي وله سلطة وله سيطرة، والله جَلَّ وَعَلَا مع كمال هَذَا الْأَمْر له كمال السلطان، مع ذَلِك يحب من عباده أن يتوبوا حَتَّى لا يعاقبهم، وبهَذَا نستدل على كمال رحمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بعباده وفضله وإحسانه.

الفَائِدة الرَّابِعَة: أن التَّوبة من مُقتَضيات الإِيمَان؛ لقَوْلهُ: {أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ}، صحيح أن الإِيمَان لا بُدَّ أن يحمل صاحبه على التَّوبة، ولهَذَا قَالَ النَّبِيُّ عَلَيهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ" (١)، انظر متى ينتفي عنه الإِيمَان؟ حين يزني، لا يُمْكِن لإنسان مُؤْمن حَقِيقَة إلا ويترك ما حرم الله علَيْه ويفعل ما أوجب الله عليه، واعلم أنَّه إِذَا وقعت منك معْصِيَة فإن ذَلِك من لازم نقص إيمانك، ولهَذَا كَانَ مذهب أهْل السُّنَّة والجَماعَة رَحَمَهُم اللهُ أن الإِيمَان يزيد بالطَّاعة وينقص بالمعصية، هَذَا مذهب أهْل السُّنَّة والجَماعَة ونحن منهم إِنْ شَاء اللهُ.


(١) أخرجه البخاري، كتاب الحدود، باب إثم الزناة، حديث رقم (٦٨٠٩)؛ ومسلم، كتاب الإيمان، باب بَيان نقصان الإيمان بالمعاصي ونفيه عن المتلبس، حديث رقم (٥٧)، عن أبي هريرة.

<<  <   >  >>