للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِذَا لم يجد الْإِنْسَان طريقًا إلى الْعِفَّة سوى الصَّوم فليصم، أما إِذَا كَانَ الْإِنْسَان معتدلًا طبيعيًا ولا يخشى علَى نفْسِه المحذور فإنَّه لا حاجة إلى الصَّوم، ولهذَا قَالَ: "فَعَلَيْهِ" و (على) هذه للإغراء، فدل ذَلِك على أنَّه في حالة يحتاج إلى ما يدُلّه على كبح جماح الشَّهْوَة وَذلِك بالصوم.

وفي قَوْلهُ: {حَتَّى يُغْنِيَهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ} إِشارَة إلى أن الْعِفَّة سبب للغنى كما أن الزواج أيضًا سبب للغنى فكَذلِكَ الْعِفَّة، فإذا صبر الْإِنْسَان وأَعَفَّ نفسه وابتعد عما حرم الله علَيْه كَانَ ذَلِك سببًا للغنى، وقد قَالَ اللهُ تَعَالَى في القُرْآن: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: ٢، ٣].

وقَوْلهُ: {حَتَّى يُغْنِيَهُمُ الله} هل المُراد غنى المال أو غنى النِّكاح؟

المُراد غنى النِّكاح لأنَّه قَالَ: {لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا} لماذا؟ لأنَّه مثل ما أشرنا إلَيه قد يَكُون الْإِنْسَان غَنَيَّ المال لكن لا يجد نكاحًا فلا يتزوج، فيشمل ذَلِك الغنى بالمال والغنى بالزَّوْجَة.

إن كَانَ عدم وجود النِّكاح من أجل الفقر فالغنى يَكُون بالمال، وإن كَانَ عدم وجود النِّكَاح من أجل المنع فالغنى يَكُون بالطَّاعة؛ بأن يُيسر الله له مَنْ يُطيعه ويزوجه.

لما ذَكَرَ الله جَلَّ وَعَلَا أحكام النِّكَاح وما يَتعلَّق به انتقل إلى أمر آخر مهم وهو ما يَتعلَّق بالإماء، بل بالمماليك عُمومًا؛ لأنَّه قَالَ: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} فأشار إلى المماليك ثم انتقل إلى مَسْأَلة مهمة جدًّا وهي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ} قَالَ المُفَسِّر رَحَمَهُ الله: [بِمَعْنَى المُكَاتَبَة {مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} مِنَ الْعَبِيد

<<  <   >  >>