لكن يقال: كمال الْعِفَّة أن تحصل مع وجود الطَّلب؛ ولهَذَا قَالَ النَّبِيُّ عليهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في الَّذينَ يظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه قَالَ:"وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ"(١).
لا يوجد مانع إلا هَذَا، فلَيْسَ عندهما أحد، والشَّهْوَة متوفرة والعزيمة موجودة، ومعنى العزيمة الهم، لكن منعه خوف الله عَز وجلَّ، الحاصل أن يوسف عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بعد أن همت به وهم بها وجُد الآن الطلب والسبب وانتفى المانِع حينئذٍ {رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} فتح الله علَيْه فانصرف ثم تبين أن الخائن أخيرًا امرأة العزيز.
ظهر ذَلِك علنًا حَتَّى من يوسف عَلَيهَ الصلاة والسلام، فمن قوة صبره ومن حكمته لما دُعي أن يخرج من السجن قَالَ:{ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ}[يوسف: ٥٠]، لم يخرج حَتَّى بان أمره، وهَذَا يعتبر من الصَّبر العَظِيم، وإلا فإن طبيعة الْإِنْسَان إِذَا كَانَ مسجونًا وقالوا له: اخرج، فإنَّه لا يتردد في الخروج، لكن هو عليه الصلاة والسلام أبى حَتَّى يَكُون بريئًا وفعلًا هَذَا الَّذِي حصل.
بالنِّسْبَةِ لمريم - رضي الله عنها - حصل نفس الشَّيء، اليهود اتهموها لكن هل قالوا إنها زانية؟ عَرَّضوا تعريضًا قالوا: {يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨)} [مريم: ٢٨]، يعني، أبوك لَيْسَ امرأ سوء وأمك لَيْسَت بغيًا فمن أين جاءك البِغَاء؟ هَذَا كلامهم.
ولهذَا اختلف العُلَماء هل يُحد بالقَذْف إِذَا عرَّض أو لا يُحد؟
والصَّحيح أنه إِذَا كَانَ التَّعريض واضحًا يُحد، بل بعض العُلَماء يَقُول: إن
(١) أخرجه البخاري، كتاب الحدود، باب فضل من ترك الفواحش، حديث رقم (٦٨٠٦)؛ ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، حديث رقم (١٠٣١)، عن أبي هريرة.