للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالْإِنْسَان العاقِل يفيق؛ لأَن سَنَّة الله واحدة والله جَلَّ وَعَلَا البشر بالنِّسْبَةِ إلَيْه سواء إلا بالتَّقوى.

فإذا أهلك الله أمة من الأُمَم السَّابِقة بمخالفته فهل يمتنع أن يهلك هذه الأُمَّة أيضًا؟

لا يمتنع إلا أنه يُستثنى من ذَلِك الإهلاك العامّ، الإهلاك العامّ رُفع عن هذه الأُمَة (١).

وإلا فأصل العُقوبَة واردة في هذه الأُمَّة كغيرها، بل قَالَ بعض العُلَماء: إنه لم يوجد من بعد إهلاك فرعون، واستدلوا على ذَلِك بقَوْلهُ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى} [القصص: ٤٣]، قالوا: فبعد ما نزلت التوراة على موسى - صلى الله عليه وسلم - ما كَانَ ذاك في الأُمَم السَّابِقة يعني إهلاكًا، هَذَا هو الواقِع في الحقيقَة سواء الآية تدُلّ علَيْه أم لم تدُلّ، إنما هَذَا هو الواقِع.

قَوْلهُ: {وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} مثل قصة يوسف عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رمى بما رمي به وأنجاه الله مِنِ امرأة العزيز الَّتِي رمته بالْفَاحِشَة، والغريب أن امرأة العزيز هي الَّتِي راودته عن نفسه، وغلقت الأبواب وهيأت كل شَيْء، ولكنه عَلَيهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بعد أن هم مع توفر الأَسبَاب وانقطاع المَوانِع ووجود الطلب والهمة بعد ذَلِك امتنع، قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف: ٢٤]، وهَذَا أعلى ما يَكُون في الْعِفَّة، خلافًا لمن ذهب يحاول في كَلِمة {وَهَمَّ} ويقول: إن المُراد بقَوْلهُ: {هَمَّتْ بِهِ} بالزِّنَا {وَهَمَّ بِهَا} ليبطش بها.


(١) أخرجه النسائي، كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب إحياء الليل، حديث رقم (١٦٣٨).

<<  <   >  >>