ونجد أن الله تَعَالَى يضرب مثلًا لما ينكره الكافرونَ من إحياء الموتى بإحياء الأَرْض بعد موتها؛ فإن الأَرْض تَكُون مَيْتَةً هامدة، فإذا أنزل الله عَلَيْها الماء اهتزت ورَبَتْ، قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩)} [فصلت: ٣٩].
ونجد أنه هُنا في الْأَمْر المعنوي الَّذِي هو نور الله تَعَالَى في قلب المُؤْمِن، ونور الله سبحانه وَتَعَالى الَّذِي ينزله فيهتدي به المُؤْمِن، نجد أن الله تَعَالَى ضرب به مثلًا بهَذَا المِصباح الَّذِي في المِشْكَاةِ إلى آخِره.
قَوْلهُ:{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} مناسبتُها للآية أنه سبحانه وَتَعَالَى أعلم العالمينَ بما يطابق المثلَ مَضْرَبًا ومَوْرِدًا؛ لأَن المَثَلَ له مَضْرِبٌ وله مَوْرِدٌ، فالله سبحانه وَتَعَالى هو أعلم العالمين بهَذَا المَضْرِبِ والمَوْرِدِ، ومطابقة أحَدهما للآخر؛ لأنه قد يشبه الْإِنْسَان شيئًا بشَيْء، وعنْدَما تُمحِّصُ الْأَمْر وتُحقِّقُه لا تجد مشابهة، لكن الله سبحانه وَتَعَالى إِذَا ضرب مثلًا بشَيْء فإنَّه بكل شَيْءٍ عليمٌ، لا يخفى علَيْه أوجه المشابهة الَّتِي يتضمَّنها هَذَا المثل، فالله عليمٌ بكل شَيء في نفس المثل وفيما ينتفع به، وفي هذه الآية إِشارَةٌ بل تصريحٌ إلى عُموم علم الله سبحانه وَتَعَالى، وأنه عليمٌ بكل شَيْءٍ فيما يَتعلَّقُ بأفعاله، وفيما يَتعلَّقُ بأفعال العباد.
والَّذينَ أنكروا العِلْم بأفعال العبادِ من القَدَرِيَّة يستدلونَ بآيات من متشابه القُرْآن، والله سبحانه وَتَعَالى حكيمٌ؛ ومن حكمته أن يجعل في وحيه متشابهًا، فيستدلونَ بمثل قَوْله تَعَالَى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ}[محمد: ٣١]؛ قالوا:{حَتَّى} للغاية، ومعنى ذَلِك أن الله سبحانه وَتَعَالى لا يعلم المجاهدَ والصابرَ إلا بعد أن يجاهدَ ويصبرَ.