للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقَوْلهُ: {مَنْ يَشَاءُ} تقدَّم أن أي شَيْء عُلق بالمشيئة فإنَّه مقرونٌ بالحِكْمة، فالله تَعَالَى يهدي من يشاء لكن إِذَا اقتضت الحكْمَةُ هدايته، وَذلِك لكونه مستعدًا وقابلًا للهداية، وقد علمنا أن كل من طلب الحَقّ بنية صادقة فإن الله سبحانه وَتَعَالى يهديه، وكل من زاغ عن الحقّ وتولى عنه فإن الله تَعَالَى يضله قَالَ اللهُ تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ الله أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (٤٩)} [المائدة: ٤٩].

وقَوْلهُ: {وَيَضْرِبُ الله الْأَمْثَالَ} جمع مَثَلٍ وهو الشَّبَه، أو مِثْل وهو الشِّبْه أيضًا، و {الْأَمْثَالَ} كل شَيْء يُشابه غيره أي: الأشباه والنَّظائر، ولا شَك أنَّ ضربَ الأمثال من نعمة الله سبحانه وَتَعَالى علَى عِبَادِه، لأنَّ هَذَا لا شَك أنه من تمَام التَّعليم، وإلا فلو شاء الله سبحانه وَتَعَالى لم يضرب الأمثالَ للنَّاس ولَتَرَكَهُمْ حَتَّى يضلوا، ولكن من تمام رحمته أن كَانَ تعليمه على وجه الكمال والتَّمام؛ ولذَلك {يَضْرِبُ الله الْأَمْثَالَ}، لأَجْلِ أنْ يستدلَّ النَّاس بها على ما يريدُ الله سبحانه وَتَعَالَى إِثْباتَه لهم.

فالله تَعَالَى يضرب الأمثالَ للنَّاس، إما أن يضرب حسيًّا بحسي، أو معنويًّا بمعنوي، أو معنويًّا بحسي، وأحيانًا يضربُ الغائب بالحاضر، والغالِبُ أن الله يضرب الأمثالَ بأمر حسيٍّ إِذَا كَانَ الْأَمْر معنويًّا، وإذا كَانَ الْأَمْر الحسيُّ أمرًا مستبعدًا أو منكرًا فإنَّه يضربه بحسيٍّ معْلُوم، وَذلِك لتقريب الْأَمْر إلى أذهان النَّاس، مثلًا نجد أن الله تَعَالَى ضرب مثلًا للذينَ يعبدون غير الله بالعنكبوت، قَالَ تَعَالَى: {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا}، هَذَا ضرب أمرٍ معنويٍّ بأمرٍ حسيٍّ، فهم يلوذون بهَذ الأصنام كما أن العنكبوت تلوذ ببيتها، لكن هل بيتها يقيها؟ لا، ولهَذَا قَالَ: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} [العنكبوت: ٤١].

<<  <   >  >>