للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد سبق أن قررنا أن الإذن ينقسم إلى قِسْمَيْن: إذنٌ كونيٌّ وإذنٌ شرعيٌّ، فمثال الإذنُ الكَوْنيُّ قَوْله تَعَالَى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: ٢٥٥]، ومثال الإذن الشَّرعي قَوْله تَعَالَى: {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: ٢١]، هَذِهِ الآية لا تصح أن تَكُون إذنًا كونيًّا قدريًّا؟ لأَن الإذنَ القدريَّ الكَوْنيُّ لم يَنْتَفِ؛ لأنهم شرعوا، لكن ما شرعوا إلَّا بإذن الله كَوْنًا وقَدَرًا.

فإذن قَوْلهُ: {مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} أي: شرعًا ولأبدَّ.

وقد يأتي الإذن بمَعْنى الاستماع؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ إِذْنَهُ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ" (١)؛ معنى: "مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ" أي: ما استمع لشَيْء مثل استماعِه لِهَذَا النَّبِيِّ الَّذِي يَتَغَنَّى بالقرآن ويجهر به.

إذن قَوْلهُ: {أَذِنَ اللهُ} في الآية الَّتِي معنا من الإذن الشَّرعي، وهل يتعين أن يَكُون للشَّرعي؟

الجواب: نعم، لأَنَّه لو أذن بِذَلِك قدرًا لكانتَ المَسَاجِد تُعَظَّم ولابُدَّ، وتُرفع ولابدَّ؛ لأَن الإذن الكَوْنيُّ أو القدري - والمَعْنى واحد - لا بُدَّ فيه من وقوع المأذون، فكل ما يَتعلَّق بالْأُمُور الْكَوْنِيَّة لا بُدَّ من وقوعها، فلو كَانَ المُراد بالإذن هُنا الكَوْنِيّ لكان رفع المَسَاجِد أمرًا حتميًّا، مع أَنَّنا نجد أن المَسَاجِدَ أحيانًا لا تُرفع ولا تُعظم بل


= كتاب أَبواب الصلاة، باب ما ذكر في تطييب المساجد، حديث رقم (٥٩٤)، وابن ماجة كتاب المساجد والجماعات، باب تطهير المساجد وتطييبها، حديث رقم (٧٥٩)، وأحمد (٦/ ٢٧٩) (٢٦٤٢٩)؛ عن عَائِشَة.
(١) أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة" و"زينوا القرآن بأصواتكم"، حديث رقم (٧٥٤٤)، ومسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها، حديث رقم (٧٩٢)؛ عن أبي هريرة.

<<  <   >  >>