هُمُ الْخَاسِرُونَ (٩)} [المنافقون: ٩]، ولو ربحوا في الأموال والأولاد فهم خاسرون.
القسم الثَّاني: مَن لا تلهيه التجارة ولا الأموال ولا الأولاد عن ذكر الله، لكن يعمل في محله، فهَذَا رابح، لم يفته ماله وولده ولم يفته ذكر الله، أتى لِهَذَا بنصيبه ولِهَذَا بنصيبه.
القسم الثّالث: من هو أعلى من هَذَا، يجعل تجارته وولده من ذكر الله، بحيث يقصد بهَذ التجارة الاستعانة على طاعة ربه وعلى بذل أمواله فيما يُرضي ربه، وكَذلِك بالنِّسْبَةِ للأولاد يجعل اشتغاله بهم لتربيتهم والتأمل في نعمة الله علَيْه بهم وما أشبه ذَلِك؛ هَذِهِ هي المرتبة العليا، وعلى هَذَا يَكُون هَذَا الرَّجل رابحًا في الطرفين في آن واحد، والقسم الثَّاني: رابح في الطرفين لكن على التناوب، يربح في هَذَا ويعطيه ما يستحق ويربح في هَذَا ويعطيه ما يستحق، أما الثّالث والأخير -وهو من جعل اشتغاله بتجارته ذكرًا لله- هَذَا شأنه كبير، ولكن قلَّ من يوجد بهَذِهِ الصِّفة وهو نادر جدّا، وأكثر النَّاس اليوم من القِسْم الأوَّل الَّذِي هو في الحَقيقَة أخيرًا في المرتبة، فهو أول في الذكر وآخر في المرتبة.
قَوْلهُ {عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ} إقام بمَعْنى إقامة، لكن حُذفت التاء تخفيفًا. {الصَّلَاةِ} لَيْسَ مُجرَّد فعلها بل هو أمر فوق الفِعْل، فمعنى إقام الشَّيء جعله قَيِّمًا مستقيمًا؛ وَذلِك بفعل شروطها وأركانها وواجباتها، فلَيْسَ كل مُصَل مقيما للصلاة، ولِهَذَا نجد أن الثَّناء الَّذِي يذكره الله في القُرْآن بل والأوامر الَّتِي يأمر الله بها في القُرْآن غالبًا في الإقامة؛ لأَن ذَلِك هو الأَصْل لَيْسَ مُجرَّد فعل الصَّلاة.
ولِهَذَا نجد أن المصلِّي رجلان: أفعالهما مع الإمَام واحدة ودخولهما في الصَّلاة واحد وخروجهما منها واحد، ولكن بين صلاتيهما كما بين السَّماء والأَرْض! لأَن