للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال بعض العُلَماء: يَنْبَغِي للمريض أن يغلب جانب الرجاء؛ لقول النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّهِ" (١)، وَينْبَغِي للصحيح أن يغلب جانب الخَوْف.

وقال آخرون: يَنْبَغِي عند فعل المعْصِيَة أن يغلب جانب الخَوْف؛ لأجل أن يرتاع؛ لأَنَّه لو غلب جانب الرجاء وقال: إن الله غفور رحيم وأرجو أن يغفر لي لأمن المعْصِيَة، وعند فعل الطَّاعة يغلب جانب الرجاء وأن الله تَعَالَى يقبل منه ويثيبه حَتَّى لا ييأس، ويدُلّ على ذَلِك قَوْل النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "ادْعُوا اللهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ" (٢)، كَذلِكَ اعبد الله وأنت على رجاء أن يتقبل منك.

وعلى كل حال هَذَا القَوْل في ظنِّي أنَّه أرجح الأقوال أنَّه عنْدَما يَكُون الْإِنْسَان في جانب التعبّد وفعل العِبادَة يغلِّب الرجاء، ولَيْسَ المَعْنى أن يجزم بالرجاء بهَذَا؛ لأَن الله يَقُول: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: ٦٠]؛ يعني: خائفة ألا يقبل منها، لكن المَعْنى أن يغلّب هَذَا مع الخَوْف، وأما في جانب فعل المعْصِيَة فيغلب جانب الخَوْف؛ لأجل ألّا يُقدم عَلَيْها معتمدًا على الرجاء، وقصدنا مما ذُكر أن القُرْآن الكَرِيم يذكر الله تَعَالَى فيه هَذَا وهَذَا ليَكُونَ سيرُ الْإِنْسَان معتدلًا.

قَوْلهُ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ}، قَالَ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ: [جَمْع قَاع: أَي فِي فَلَاة وَهُوَ شُعَاع يُرَى فِيهَا نِصْف النَّهَار فِي شِدَّة الْحَرّ يُشْبِه المَاء الجَارِيَ] اهـ.


(١) أخرجه مسلم، كتاب الجنَّةَ وصفة نعيمها وأهلها، باب الأمر بحسن الظَّن بالله تَعَالَى عند الموت، حديث رقم (٢٨٧٧)؛ عن جابر بن عبد الله.
(٢) أخرجه التِّرمِذي؛ واللفظ له، كتاب الدعوات، باب ما جاء في جامع الدعوات عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حديث رقم (٣٤٧٩)، وأحمد (٢/ ١٧٧) (٦٦٥٥)؛ عن عبدِ الله بن عمرو.

<<  <   >  >>