هَذَا تفسير للسراب، والقيعة: هي الفلاة، والسراب بالقيعة معْرُوف؛ يَكُون عند شدة الحر عنْدَما تَكُون في فلاة من الأَرْض، وقيعة، يعني: قاعًا -بخلاف الرملية لا يَكُون فيها هَذَا الشَّيء- لكن القيعان ترى من بُعد كأنَّ في ذَلِك الجانب ماء فتظنّه ماءً، ولَيْسَ بماء لكن كَيْفَ ذَلِك؟ لأنهم يَقُولُونَ:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر: ٣]، {وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}[يونس: ١٨]؛ فيظنون أن هَذَا الشِّرك الَّذِي يبعدهم عن الله حَقِيقَة يظنونه يقربهم إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، يظنون هَؤُلَاءِ الشُّفعاء الَّذينَ سيتبرؤون منهم شفعاء، قَالَ تَعَالَى:{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا}[البقرة: ١٦٦]، ومن المعْرُوف أن النَّفس إِذَا تعلقت بالشَّيء على أنَّه شفيع أو على أنَّه مقَرِّب لها إلى الله تتبعه بلا شَك، هَؤُلَاءِ مثل السراب في القيعة.
هَذَا تشبيه بليغ، ووجه الشَّبه بين أعمال الْكُفَّار وبين السراب: أن هَؤُلَاءِ الْكُفَّار يعملون الأعْمَال ويظنون أنَّها تنفعهم وكَذلِك العطشان، يعني أنَّه يقصد الماء بشدةٍ ولهف معتقدًا أنَّه ينقذه لأَن العطشان محتاج للماء، إِذَا رأى ما يشبه الماء قصده بشدة ولهف، لأجل أن يدفع ضرورته به، لأنَّه يظنه ينفعه، ولولا أنَّه يظنه ينفع لم يذهب إلَيْه، لكن النَّتيجة {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ}، قَالَ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ:[مِمَّا حَسِبَهُ] اهـ.
قَوْلهُ {إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} ماذا تتصور حاله حينئذٍ؛ خيبة أمل عَظِيمة - والعِيَاذ باللهِ - لا يتصوّرها أحد، إِنْسَان عطشان جاء إلى هَذَا السراب من بعيد يُرِيد أن يشرب فتكون النَّتيجة أنَّه لم يجد شيئًا مما حسبه، ولاحِظ أن السراب لا يتراءى في