ضمير مستتر يَعود - على كلام المُفَسِّر - على الله فمعنى قَوْلهُ:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ}، أي: قد علم الله صلاته وتسبيحه، هَذَا ما ذهب إلَيْه المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ.
والقول الثَّاني: أن فاعل {عَلِمَ} يَعود على {مَنْ} وما عطف عَلَيْها، يعني:{يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ}؛ كل من هَؤُلَاءِ المسبحين {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ}، يعني: أن الله تَعَالَى ألهم هَذِهِ الأَشْيَاء حَتَّى عرفت كَيْفَ تسبح الله عَزَّ وَجلَّ وكَيْفَ تصلي له، وأما علم الله بِذَلِك فمفهوم من قَوْلهُ:{وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}، فعلى رأي المُفَسِّر يَكُون في الآية شبه تكرار {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}؛ ولِهَذَا الصحيح أن قَوْلهُ:{كُلٌّ قَدْ عَلِمَ}، أي: كل من هَؤُلَاءِ المسبحين {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ} هو نفسه {صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} لكن بأي شَيْء علم؛ أما بالنِّسْبَةِ للبشر وكَذلِك الجن فقد علموا عن طريق الرُّسل، فالرُّسل أرسلهم الله ليُعلِّموا النَّاس كَيْفَ يصلُّون وكَيْفَ يسبِّحون الله عَزَّ وَجَلَّ، وأما البهائم والحيوانات الأُخْرَى فإنها علمت صلاتهها وتسبيحها بما ألهمها الله عَزَّ وَجَلَّ، ولكلٍ منها صلاة وتسبيح خاص، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على لسان موسى ردًّا على فرعون في قَوْلهُ:{فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى} فقال: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه: ٤٩، ٥٠]، ثم إن هَذِهِ الهداية كما تشمل الهداية في الْأُمُور الَّتِي تحفظ أجسادها كَذلِكَ تشمل الهداية في الْأُمُور الَّتِي ألهمها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من التَّسبيح والصَّلاة.
وقَوْلهُ:{وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} قَالَ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ: {فِيهِ تَغْلِيب الْعَاقِل] اهـ. لأَن الواو في: {يَفْعَلُونَ} للعاقل وعلوم أن قَوْلهُ: {مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} يشمل العاقِل وغيره، لكن الآية غلب فيها العاقِل في الموضع الأوَّل وفي الثَّاني، والسبب في ذَلِك