يمينًا وشمالًا، ولا تحجبها الرياح مع عصوفها عما تريد، هَذَا مما يدُلّ على كمال قدرة الله عَزَّ وَجَلَّ، فالريح الَّتِي تقلقل الجبال والسيارات لا تحجب الطائر عن اتجاهه فيتجه معاكسًا للرياح ولا يبالي، وهَذَا شَيْء مشاهد وهَذَا من تمام قدرة الله عَزَّ وَجَلَّ، فهَذَا الطير الضعيف الصَّغير الَّذِي يُمْكِن أن تقتله الرياح يتجه معاكسًا لها ولا ترده، وهَذَا من تمام قدرة الله عَزَّ وَجَلَّ، ومن تمام القدرة أيضًا أنك تجده في أيام الشِّتاء الباردة القارسة تجده يطير بين السَّماء والأَرْض بهَذ السرعة وفوق أيضًا ولا يتأثر بهَذَا البرد، كل ذَلِك دَليل على كمال قدرة الله، لكن هَذَا التَّسبيح حالي أو مقالي؟
نحنُ نعلمه حاليًا، ولكن ربما يَكُون أيضًا مقاليًا، ربما أنَّها في حال مد أجنحتها وبسطها تسبح الله؛ لأَن الطير لها نطق قَالَ اللهُ تعالى:{عُلِمْنَا مَنطِقَ الْطَّيرِ}[النمل: ١٧]؛ فكل شَيْء ينطق حَتَّى الحمى ينطق، وقد سُمع تسبيح الحمى بين يدي الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - (١)، فكل شَيْء يسبح بل قَالَ اللهُ في آية أُخْرَى:{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}[الإسراء: ٤٤]، وهنا قَالَ:{يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} ولم يذكر السَّموات ولم يعمم كما في قَوْلهُ: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ} بل هُناكَ قَالَ: {وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}[الإسراء: ٤٤]، وهنا قَالَ:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ} فأثبت علمنا بهَذَا التَّسبيح وهو لَيْسَ شاملًا كما في الآية الثَّانية {وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}، أما تسبيح {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} بلسان المقال فهَذَا لا نعلمه، ولكن بلسان الحال كما تقدَّم.
ثم أعظم من هَذَا قَالَ:{قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ}{عَلِمَ} فعل ماضٍ، فيه
(١) أخرجه الخلال في كتابه السنة (٣٥١)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (١٤٨٥)؛ عن سويد بن زيد.