للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المُهِمّ أنَّه يَجب أن نعرف أن هَذَا التَّقليب عام لكل ما يحصل من تغيير في الليل والنَّهار من الْأُمُور الحسية والْأُمُور المعنويَّة، ووجه العبرة أن في ذَلِك التقليب {لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}، أي: فصاحب البصيرة فالمُراد بالأبصار هُنا البصائر ولَيْسَ المُراد بالأبصار بصر العين، فكل ذي بصيرة يعرف ما في تقليب الليل والنَّهار من قدرة الله عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ} [القصص: ٧١].

لو اجتمع الخلق كلهم على أن يُخرجوا الشَّمس في نصف الليل مثلًا لا يستطيعون، ولو اجتمعوا كلهم على أن يأتوا بالليل في نصف النَّهار ما استطاعوا إلى ذَلِك سبيلًا، ولو أن الله تَعَالَى جعل الوقت دائمًا ليلًا أو نهارًا ما استطاع الخلق كلهم أن يُغيِّروا هَذَا الوضع؛ ولهَذَا بَيَّن الله تَعَالَى مِنَّتَهُ علَى عِبَادِه فقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} [غافر: ٦١].

كَذلِكَ ما يحصل في الليل والنَّهار من الحوادث وتقلبات الْأُمُور؛ فهَذَا أيضًا فيه عبرة، تجد مثلًا هَذَا المُلك لهَذَا الرَّجل مُلك تامٌّ وافٍ ونعم وافرة، ثم ينقلب ذَلِك المُلك إلى ذل وأسر، وتجد هَؤُلَاءِ القوم في عز ونصر وتمكين وإذا الْأَمْر بالعَكْسِ. كل هَذَا مما يستدل به الْإِنْسَان العاقِل ذو البصيرة على ما لله تَعَالَى من قدرة في تقليب الْأُمُور ومن حِكْمَة في تدبيرها.

قَوْلهُ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} إِذَا كنت لا تتخذ من ذَلِك عبرة ولم تجد في نفسك حركة لهَذَا التقلُّب وهَذَا التغيُّر فاعلم أنك لست من ذوي البصائر؛ لأَن كلام الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى محكم لا يتغير، وقد أخبر أن في ذَلِك التقليب عبرة لأولي الأبصار؛ فإذا لم يكن لك في ذَلِك عبرة فاعلم أنك لست من ذوي البصائر.

<<  <   >  >>