للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من العَفونات والرُّطوبات ماؤه رطوبة، وأما الَّذِي يتوالد من نطفة فنعم له نطفة يخلقه الله منها؛ فكَلِمة {مِنْ مَاءٍ} أعم من كَلِمة نطفة، والواجب إبقاء الآيَة عَلى عُمومِها.

وهَذه الآيَة بعض من قَوْله تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: ٣٠]، لكن أيهما أعم؟ هَذه الآيَة أعم؛ لأَن كل شَيْء حي يشمل الدوابّ وغير الدواب، حَتَّى الأشجار وشبهها أصلها من الماء.

قَوْلهُ: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} النَّاس يستشهدون بهَذِهِ الآيَة على غير ما أَرَادَ الله بها، يستشهدون بها على أن الماء ضروري لبقاء الحَياة؛ ولَيْسَ الْأَمْر كَذلِكَ، بل الآيَة تدُلّ على أن أصل هَذه الأَشْيَاء الحية أصلها من الماء، ولو كَانَ المُراد ما يستشهد به النَّاس من أجله لقال: "وجعلنا من الماء كل شَيْءٍ حيًّا"، أي: صيَّرناه حيًّا بالماء، ولكن معنى الآيَة - بلا شَك - أن أصل هَذه الأَشْيَاء الحية أصلها الماء، ومن جهة ثانية نقول: إِذَا كَانَ أصلها الماء فهي مفتقرة إلَيْه.

قَوْلهُ: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} قَالَ المُفَسّر رَحَمَهُ الله: [كَالحْيَّاتِ وَالهَوَامّ] اهـ.

قَوْلهُ: {فَمِنْهُمْ}؛ هَذَا التقسيم يدُلّ على أن المُراد بالدَّابة العقلاء؛ لقَوْله: {فَمِنْهُمْ} وإلا لقال: "فمنها"، أي: من هَذه الدواب إلا أن العُلَماء قالوا: إن في ذَلِك تغليبًا للعقلاء، ولهَذَا قَالَ: {فَمِنْهُمْ}، أي: من هَذه الدواب {مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} لكن الَّذِي يمشي على بطنه؛ هل يمشي أو يزحف؟ يزحف فمشيه الزحف مثل الحيات والهوام، الحيات معْرُوفة والهوام ما هي؟ المُفَسِّر رَحَمَهُ الله يظهر لي أن في كلامه نظر؛ لأَن الهوام منها ما يمشي على بطنه، ومنها ما يمشي على رجلين، ومنها ما

<<  <   >  >>