للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كما أطلقها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لنفسه، ويقول: إنه على كل شَيْء قدير؛ كما وصف الله نفسه، لا يُقيِّدها بما شاء.

أمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} [الشورى: ٢٩]؛ فالمشيئة هُنا لَيْسَت قيدًا في القدرة ولكنها قيد في الجمع، بعني أنَّه إِذَا شاء هَذَا الفِعْل فلَيْسَ بعاجز عنه، وهَذَا قاله الله تَعَالَى ردًّا على من أنكروا البعث، قالوا: إنه لا يُمْكِن أن يجمع الله النَّاس بعد أن تفرَّقوا في الأَرْض كانوا رميمًا، ومثل ذَلِك أيضًا ورد به الحديث في مسلم في الرَّجل الَّذِي أمره الله تَعَالَى أن يدخل الجنَّة بعد ما سبق عليه، فقال له الله تعالى: "إِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ" (١)؛ فإنَّه هُنا يخاطبه لفعل شَيْء وقع، فكأنه قَالَ: إني على ذَلِك قادر إِذَا شئته، ولهَذَا عبَّر بقادر دون قدير، فإن القدير أبلغ في الصِّفة، بخلاف قادر فقد تتعلق بفعل شَيْء معين.

على كل حال الَّذِي يَنْبَغِي لِلإنْسان بل الَّذِي يَجب علَيْه أن يطلق صفة القدرة إِذَا وصف الله بها فيقول: إنه على كل شَيْء قدير فقط ولا يُقيِّدها بمشيئة.

مِنْ فَوَائِدِ الآيَة الْكَرِيمَةِ:

الفَائِدةُ الأُولَى: أن الله تَعَالَى له التصرُّف المطلَق في خلقه؛ لقَوْله: {يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}.

الفَائِدة الثَّانية: إِثْبات القدرة وعموم قَوْلهُ: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

وأشرنا في التفسير إلى أن ما يستعمله بعض النَّاس من تقييد القدرة بما يشاء غلط، وأن الواجب إطلاق صفة القدرة، وأجبنا عن مثل قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ عَلَى


(١) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب آخر أهل النار خروجًا، حديث رقم (١٨٧)؛ عن ابن مسعود.

<<  <   >  >>