التبيين له طرق: تارة يَكُون تبيينًا بالتفصيل، وتارة يَكُون بالإجمال، فمثلًا إِذَا تدبرت آيَات الفرائض وقسمة المواريث تجد أن الآيَات فيها بينة بالتفصيل.
وإذا تدبرت بعض الآيَات الأُخْرَى مثل أقيموا الصَّلاة وآتوا الزَّكاة تجد أنَّها مجملة لكن الْإِنْسَان يعرف ذَلِك من أدلة أُخْرَى؛ ولهَذَا قَالَ اللهُ تعالى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}[النحل: ٨٩]، ما من شَيْء إلا بيَّنه هَذَا القُرْآن.
وقد تقدَّم ما ذُكر عن الشَّيخ محمد عبده رَحَمَهُ الله أنَّه كَانَ في مطعم في أحد بلاد أوروبا وكان عنْدَه رجل من النَّصَارَى، فقال له: أنتم تقولون إن القُرْآن تبْيان لكل شَيْء؛ فهل بَيَّن كَيْفَ يُصنع هَذَا الطَّعام؟ طبعًا نحنُ لا نرى في القُرْآن هَذَا، أي: أنك إِذَا أردت أن تصنع الطَّعام ضع بصلًا وضع ملحًا وضع لحمًا وما أشبه ذَلِك لَيْسَ هَذَا موجودًا، فقال: نعم، هَذَا القُرْآن بَيَّن لها كَيْفَ نصنع هَذَا الطَّعام، تعجب هَذَا الكافر النَّصراني، قَالَ: كَيْفَ؟ فدعا صاحب المطعم، وقال له: كَيْفَ صنعت هَذَا الطَّعام، فقال له: صنعته بكذا وكذا وبَيَّن له تراكيبه، فقال: هكذا في القُرْآن فإن الله يَقُول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[الأنبياء: ٧].
القُرْآن لم يبين ذَلِك تفصيلًا لكن أرشدنا كَيْفَ نهتدي إلى معرفة الْأُمُور في قَوْلهُ:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، وطبعًا لا يُراد بأهل الذكر في هَذه الآيَة أهل الطبخ، لكن إما أن نقول المُراد بأهل الذكر أهْل العِلْم وعلم كل شَيْء بحسبه، وإما أن نقول أهْل العِلْم بالشَّرع ونقيس ما عدا العلوم الشَّرْعِيَّة على العلوم الشَّرْعِيَّة؛ فيَكُون من باب العُموم المعنوي في الآيَة، لأَن الآيَة إن لم تشمل هَذَا بِعُمومِها اللفظي فهي شاملة له بِعُمومِها المعنوي