للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويقول:

وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ ... مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ البَريَّةِ دِينَا (١)

لكنَّه لَيْسَ بمؤمن مع التصديق؛ لأنَّه لم يُذعن ولم ينقد، لم يُذعن للرَّسول - صلى الله عليه وسلم - ولا انقاد له، كَذلِكَ أيضًا الْكُفَّار الَّذينَ حكى الله عنهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: ٩]؛ هم مُصدِّقون باللهِ، لكن لما لم يقبلوا ما جاء به الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - ولم يُذعنوا له لم يَكُونوا مُؤْمِنِينَ؛ فتفسير الاِيمَان شرعًا بمجرد التصديق تفسير ناقص، بل نقول: الإِيمَان هو التصديق مع القبول والإذعان، ولابُدَّ من ذَلِك.

قَوْلهُ: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ} أعاد حرف الجر في قَوْلهُ: {وَبِالرَّسُولِ}؛ لأَن الإِيمَان بالرَّسُول إيمان مستقل، يعني: لا بُدَّ لِلإنْسان أن يؤمن باللهِ إيمانًا كاملًا {وَبِالرَّسُولِ} إيمانًا كاملًا كما أن الطَّاعة لله طاعة كاملة وللرَّسول كَذلِكَ مثل قَوْله تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: ٥٩]، قَالَ: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} ثم قَالَ: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} عطفها على طاعة الله والرَّسُول بدون إعادة العامِل إِشارَة إلى أن طاعة ولاة الْأُمُور تبع لطاعة الله ورسوله، أما طاعة الرَّسُول فهي مستقِلَّة؛ قَالَ تَعَالَى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: ٨٠]، وطاعة الله كَذلِكَ؛ مثله أيضًا الإِيمَان باللهِ وبالرَّسُول إِذَا جاء حرف الجر معناه أن هَذَا إيمان مستقل؛ كأن هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ آمنا إيمانًا كاملًا باللهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالى وآمنا إيمانًا كاملًا بالرَّسُول أنَّه رَسُول الله.

وقول المُفَسِّر رَحَمَهُ الله: آمنا باللهِ [أي: بتوحيده]؛ هَذَا أيضًا فيه قُصور بل الإِيمَان باللهِ يشمل التوحيد وغيره، فيشمل التوحيد والتصرُّف والتدبير والتَّشْريع


(١) البداية والنهاية لابن كثير (٣/ ٤٢).

<<  <   >  >>