للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عمل لَيْسَ، وفي القُرْآن {مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: ٣١]؛ فأعملها عمل (لَيْسَ)، ولم يقل في الآيَة: "ما هَذَا بشرٌ"، لو لم تعمل لكانت الآيَة: "ما هَذَا بشرٌ"؛ يَقُول الشَّاعر (١):

ومُهَفْهَفِ الأعْطافِ قلتُ له انْتسِبْ ... فأجابَ: ما قَتْلُ المحِبِّ حَرامُ

هَذَا الشَّاعر تميمي؛ لأنَّه قَالَ له: انتسب، لم يقل: أنا تميمي، بل أجاب: "ما قتل المحب حرام"؛ فعُرف أنَّه تميمي؛ لأنَّه لو كَانَ حجازيًّا لقال: "ما قتل المحب حرامًا"؛ فالحجازيون يُعملون (ما)، والمُراد بالحجازيين والتميميِّين وغيرهم: العرب الأولون الَّذينَ لم تتغير ألسنتهم؛ أما الآن فالألسنة متغيرة في عصرنا، فالحجازيون والتميميون سواء، وليعلم أن قولنا: الكوفيون أو النَّحويون أيضًا لَيْسَ وصفًا للعرب النَّاطقين باللُّغَة العربي، بل وصف للعلماء الَّذينَ تولَّوا العناية بالنَّحو.

الحاصل أن (ما) الحجازية، ترفع الاسْم وتنصب الخبر (أولاء) اسمها لكنَّه لَيْسَ مضمومًا؛ لأنَّه مبني، وأَسْماء الإِشَارَة كلها مبنية هَؤُلَاءِ وأولاء، وما أشبه ذَلِك كلها مبنية.

وقَوْلهُ: {بِالْمُؤْمِنِينَ} (الباء) حرف جار زائد، وهو زائد من حيث الإِعْراب، أمَّا من حيث المَعْنى ففيه تأكيد النَّفي في قَوْلهُ: {وَمَا أُولَئِكَ}.

وقَوْلهُ: {بِالْمُؤْمِنِينَ} خبر (ما) والنَّحويون يَقُولُونَ: إنه خبرها لكنَّه غير مَنْصُوب بها؛ لأَن الباء الزائدة يَكُون العَمَل لها؛ لأَن عملها فيه ظاهر بمباشرتها إياه،


(١) روح المعاني (١٢/ ٢٣٢).

<<  <   >  >>