فإذا كَانَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - هو المبلغ عن الله صَارَ حكمه حكم الله.
وفي الحَقيقَة أن الحاكم المباشر هو الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - فعند النِّزاع في حياته نرجع إلَيْه مباشرة لِذَلك نقول:{لِيَحْكُمَ} الضمِير يَعود على الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - ولماذا؟ لأنَّه أقرب مذكور، ثم نقول: إن حكم الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - هو حكم الله، لأنَّه مبلغ عنه، لا يحكم إلا بما حكم الله به.
هَؤُلَاءِ إِذَا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم، {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ}{إِذَا} يسميها النَّحويون فجائية، يعني المفاجئة، ففي هَذه الآيَة {إِذَا} الأولى في قَوْلهُ: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ} شرطية جوابها {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ} لكنَّه صدَّر بـ {إِذَا} الفجائية؛ لأنَّه جملة اسمية، وإذا كَانَ الجواب جملة اسمية، فلابُدَّ أن يصدر بالفاء أو بـ (إذا) الفجائية.
إِذَنْ (إذا) فُجائية، يعني تدُلّ على مفاجئة ما بعدها لما قبلها فهَؤُلَاءِ إِذَا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم هل يُفكرون وينظرون هل يقبلون أو لا يقبلون؟
الجواب: لا، يردون مباشرة - والعِيَاذ باللهِ - لا يتأنون في الْأَمْر ويفكرون: بل {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} بسرعة يعني بدون تروٍ، فكأنهم من الأَصْل مستعدون لرد حكم الله ورسوله، وهَذَا - والعِيَاذ باللهِ - أَشَدّ في الاسْتِكْبار وفي العتو من رجل يَقُول: يتروى ثم يعرض، وإن كَانَ الحُكْم واحدًا؛ إِذْ الواجب قبول ما حكم به الله ورسوله، لكن كون الْإِنْسَان يُفَاجِئ بالإعراض دَليل على أنَّه مستكبر ولا يُرِيد أبدًا أن يخضع للحق، ولهَذَا قَالَ:{إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ}.