الانحراف عن الحَقِّ إما شبهة وإما شَهْوَة، يعني إما أن الْإِنْسَان يشتهي أمرًا مخالفًا للشَّرع فيتبعه، وإما أن يَكُون عنْدَه شبهة في هَذَا الحَقّ فيمتنع منه، فنقول هُنا: يَنْبَغِي أن يفسر المرض بالإِرادَة السيئة الَّتِي هي الشَّهْوَة، أي: اشتهاء ما يُخالف الشَّرع، فقَوْلهُ:{أَمِ ارْتَابُوا} أي: شكوا، هَذَا مرض الشُّبهة الَّذِي يعرض لِلإنْسان حَتَّى لا يتبَيَّن له الحَقّ.
ونضرب لِذَلك مثلًا برجل أُمِرَ بأمر من الْأُمُور، أمر أن يصلي ولكنه قدم أمرًا دنيويًّا على صلاته، ما الَّذِي في قلبه من الْأَمْراض؟ في قلبه مرض الشَّهْوَة، وآخر أمر أن يصلي لكنَّه شك في فَائِدَة الصَّلاة أو شك في وُجوبها أو ما أشبه ذَلِك، هَذَا في قلبه مرض الشُّبهة، فقَوْلهُ:{مَرَضٌ} أي: إرادة سيئة، {أَمِ ارْتَابُوا} هَذَا الشَّك - والعِيَاذ باللهِ -.
الثَّالث:{أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} يعني: لَيْسَ عندهم إرادة سيئة ولا عندهم شك في حكم الله ورسوله فقط، لكن عندهم شك آخر، شك في عدالة الله ورسوله، ولهَذَا هم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله، فيخشون من الميل والجور، وفي الحَقيقَة أن الميل والجور عندهم هم لَيْسَ في حكم الله ورسوله، بل إن حكم الله ورسوله على الحَقّ والعَدْل، ولكنَّ الجور في ميزانهم هم، لأنهم هم الَّذينَ حادوا عما يَجب أن يَكُونوا علَيْه من الامتثال والطَّاعة.
قَوْلهُ:{بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}{بَلْ} هَذه للإضراب، هَذَا الإضراب؛ هل هو إضراب إبطال أو إضراب انتقال؟ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللهُ ماذا يراه؟
موجب كلام المُفَسِّر أن الإضراب هُنا للإبطال ولذَلك قدَّر، لا، بعد الاحتمالات الثَّلاثة السَّابِقة، وعندي أن الإضراب هُنا لَيْسَ للإبطال، وإنما هو للانتقال؛ لأَن