حَقِيقَة الْأَمْر أن الَّذِي لا يقبل حكم الله ورسوله لا يخرج عن هَذه الْأُمُور الثَّلاثة: إما أن عنْدَه إرادة سيئة أو عنْدَه شك أو خوف، لا نتصوَّر أمرًا رابعًا يرد على هَذه الاحتمالات الثَّلاثة.
ثم إن وصفهم بالظُّلْم لا يخرج عن هَذه الاحتمالات الثَّلاثة أيضًا، فمن في قلبه مرض فهو ظالم، ومن في قلبه شبهة فهو ظالم، ومن خاف أن يحيف الله ورسوله علَيْه فهو ظالم، إِذَنْ فالمَسْأَلَة من باب الإضراب الانتقالي ولَيْسَ من باب الإضراب الإبطالي.
وقَوْلهُ:{أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ}{أَمِ} في هَذه المواضع هل هي للتسوية الَّتِي بمَعْنى (أو) أو للإضراب الَّذِي بمَعْنى (بل)؟ تقدَّم فيما سبق أن (أم) الَّتِي بمَعْنى (أو) هي الَّتِي تأتي بعد همزة التسوية مثل قَوْله تَعَالَى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}[البقرة: ٦]، وقَوْلهُ:{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ}[المُنافِقُونَ: ٦]؛ هَذه هي الَّتِي بمَعْنى (أو) ويسمونها متصلة، وأما الَّتِي تأتي بمَعْنى (بل) فهي الَّتِي لا يسبقها همزة تسوية وتسمى منقطعة، وعلى هَذَا فـ {أَمْ} في قَوْلهُ: {أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ} هَذِهِ منقطعة بمَعْنى (بل)، وقد وردت كثيرًا في آخر سورة الطور؛ قَالَ تَعَالَى:{فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ} ثم قَالَ: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (٣٢) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الطور: ٢٩ - ٣٣]؛ فهمزة الاستفهام هُنا منقطعة بمَعْنى (بل) ولَيْسَت متصلة؛ لأَن المتصلة هي الَّتِي تأتي بعد همزة التسوية وتكون بمَعْنى (أو) وأما المنقطعة فهي الَّتِي لا تأتي بعد همزة التسوية وتكون بمَعْنى (بل).