وقَوْلهُ:{لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} يشمل ما تنازعوا فيه من الخُصومَات وما اختَلفُوا فيه من الأَحْكام، فإن الحاكم هو الرَّسُول عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في الخصومات الَّتِي تحدث بين المتشاجِرين وفي الأَحْكام الَّتِي يختلف فيها النَّاس، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}[الشورى: ١٠]، وقَالَ اللهُ تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}[النساء: ٥٩]؛ فالمُؤْمِنُونَ إِذَا دعوا إلى الله والرَّسُول ليحكم بينهم فقولهم: أنْ يقولَوا: سَمِعْنَا وأَطَعْنَا، أنْ يقولَوا: سَمِعْنَا بآذاننا وأَطَعْنَا بجوارحنا، فهم يسمعون وينقادون.
والطَّاعة شاملة لفعل الأوامر وترك النَّواهي، فهي شاملة للأمرين جميعًا، عكس الَّذينَ يَقُولُونَ: سَمِعْنَا وهم لا يسمعون، أو يَقُولُونَ: سَمِعْنَا وعصينا، فيَقُولُونَ: سَمِعْنَا وهم لا يسمعون، أو يَقُولُونَ: سَمِعْنَا وعَصَيْنَا، فيَقُولُونَ: سَمِعْنَا ولا ينقادون أو يُصرِّحونَ بالعصيان يَقُولُونَ: سَمِعْنَا وعَصَيْنَا، المُؤْمِنُونَ يَقُولُونَ: سَمِعْنَا وأَطَعْنَا.
يعني: أنَّه ما كَانَ قولهم اللائق، فظاهر كلام المُفَسِّر رَحَمَهُ الله أن المَسْأَلة على سبيل التَّقدير والفرض؛ أي: لا يفترض إلا أنْ يقولَوا هَذَا، ولكن الحَقيقَة أن هَذَا هو الواقِع، لَيْسَ هو بالقَوْل اللائق فقط بل هو القَوْل اللائق الواقِع، فالمُؤْمِنُونَ إِذَا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم فقولهم أنْ يقولَوا: سَمِعْنَا وأَطَعْنَا، مثل ما قَالَ اللهُ عنهم:{وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}[البقرة: ٢٨٥]، وكوننا نجعل هَذَا قولًا لائقًا، أي: مقدرًا ومفروضًا خلاف ظاهر القُرْآن؛ فإن قَوْل المُؤْمِنِينَ إِذَا دعوا إلى الله ورسوله