للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أولًا: أن الخَشْيَة لا تَكُون إلا عن علم؛ لقَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: ٢٨]؛ فالعالم هو الَّذِي يخشى الله؛ لأنَّه يخافه عن علم بحَقِيقَة المخوف وحال الخائف، فهو يعلم حال المخوف ويعلم حال الخائف.

ثانيًا: أن الخَشْيَة إنما تَكُون لعظم المخشي، وإن كَانَ الخاشي عَظِيمًا، والخَوْف يَكُون من ضعف الخائف؛ والفَرْق بينهما ظاهر.

ثالثًا: الخَشْيَة خوف بهيبة وتعظيم وإجلال، وهي متفرعة عن الفَرْق الثَّاني، والخَوْف لا يَكُون كَذلِكَ، أي: لا يَكُون عن رهبة وتعظيم وإجلال، ولذَلك يُقال: خاف من الذئب، ولا يُقال خشي منه أو خشيه إلا على سبيل التوسع.

فهَذه الفروق الثَّلاثة توجب ألا تَكُون الخَشْيَة بمَعْنى الخَوْف على وجه المُطابقة، نعم على وجه التقريب، لا بأس أن الْإِنْسَان يَقُول: إن الخَشْيَة بمَعْنى الخَوْف ليقربها إلى أفهام السامعين لا على أن الخَوْف هو المَعْنى المطابق للخشية.

قَوْلهُ: {وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ} نتكلَّم عن القراءات الَّتِي فيها:

{وَيَتَّقْهِ}، وفيها: "وَيَتَّقِه"، وفيها قِراءَة ثالثة لحفص لم يذكرها المُفَسِّر رَحَمَهُ الله، وهي: {وَيَتَّقْهِ} - بسكون القاف وكسر الهاء -.

أما قِراءَة "وَيَتَّقِهِ"، بالكسر؛ سواء أشبعنا الهاء أم لم نشبعها، وهما قراءتان أيضًا: "وَيَتَّقِهِ فَأُوْلَئِكَ" و"وَيَتَّقِهِ فَأُوْلَئِكَ"؛ ففيها قراءتان: الإشباع، وعدمه. هَذِهِ القِراءَة واضحة ولَيْسَ فيها إِشْكال؛ لأنَّها متمشية على ما نعرف من القواعد العربيَّة (يتقه) مثل (يرمه): معطوفة على فعل الشَّرط {يُطِعِ} وهو مجزوم والمعْطُوف على المجزوم مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العِلَّة، يعني: حذف الياء، والكَسْرة

<<  <   >  >>