للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما من نذر معْصِيَة فلا يجوز الوفاء بها؛ لأنَّه لا طاعة لمخلوق في معْصِيَة الخالق، فنفسك وإن ألزمتك بفعلها فلا تطعها، كما أنك لا تطيع أمريك إِذَا ألزمك بأمر فيه معْصِيَة الله، كَذلِكَ أيضًا لا تُطع نفسك إِذَا ألزمتك بأمر فيه معْصِيَة الله. وقد ثبت عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قَالَ: "وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ الله فَلَا يَعْصِهِ" (١)، ومع ذَلِك فعلى النَّاذر كَفَّارة يمين، حَتَّى لو قَالَ مثلًا: لله علي نذر فقط، ولم يقل شيئًا، مال الَّذِي يَجب عمله؟ يَجب علَيْه كَفَّارة يمين، ويهَذَا نعرف خطورة النَّذر.

وأما ما يتوهَّمه بعض النَّاس من أن النَّذر يحصل به المَطْلوب؛ فإن الرَّسُول عَلَيهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نفى هَذَا الوهم بقَوْلهُ: "إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ" (٢)؛ فمريضك قد قُدِّر له أن يُشفى قبل أن تنذر، ولَيْسَ نذرك سببًا للشفاء بالتَّأكيد؛ فالله عَزَّ وَجَلَّ أكرم الأكرمين لَيْسَ يتوقف كرمه على شَيْء يخرجه الْإِنْسَان، إِذَا أنعم الله عَليْك بالنِّعمة فاشكره عَلَيْها بما جاءت به الشَّريعة.

وأما أن تقول: نذرت لله من أجل أن يشفيه، كأنك تقول: إن الله لا يشفي ها المريض إلا إِذَا نذرت له، ثم تأتي البلوى، فيحصل الْأَمْر عنْدَه لا به، وهَذَا من الابتلاء؛ لِذَلك يَنْبَغِي لنا، بل يَجب علَيْنا، أن نحذر من النَّذر، وأن نبين للنَّاس أن النَّذر لا يأتي بخير، والنَّبيّ عَليهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وهو لا ينطق عن الهوى في هَذِهِ الْأُمُور - أخبر بأنه لا يأتي بخير.

وكم من طالبٍ نَذَرَ أنَّه إِذَا وفقه الله للنجاح أنَّه يصوم ثلاثة أيام ونجح ولم يفِ بنذره ولم يصم، وهي ثلاثة أيام فقط؛ لأَن النَّفس في الحَقيقَة ضعيفة الإِيمَان


(١) تقدَّم وهو جزء من حديث عَائِشَة السابق.
(٢) أخرجه مسلم: كتاب النذر، باب النهي عن النذر وأنه لا يرد شيئا، رقم (١٦٣٩).

<<  <   >  >>