للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والنَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه، وقال: "إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ إِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ" (١)، والمَعْنى يَقْتَضيه أيضًا؛ لأنَّه كَانَ في عافية فكونه يُلزم نفسه بأمر لم يَلْزَم الله به؛ هَذَا من باب تكليف النَّفس بما لم تُكلَّف به.

ثم أيضًا المَعْنى يَقْتَضيه؛ فإن كثيرًا من النَّاس النَّاذرين يندمون على نذرهم، لا سيَّما إِذَا كَانَ النَّذر فيه نوع من المشقَّة، مثل رجل حلف إن شَفى الله مريضه أن يصوم من كل شهر عشرة أيام، وشفى الله مريضه؛ الآن يَجب أن يصوم عشرة أيام من كل شهر لقول النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ الله فَلْيُطِعْهُ" (٢).

وكثير من النَّاس النَّاذرين لا يُوفون بنذْرِهم من أجل أنهم يرون أن فيه مشقَّةً، ويقول: الحمد لله حصل لي المَطْلوب وشفى الله مريضي أو نجحت، فلا يوفِّي لله بما وفَّى الله له به، الله يوفِّي له بما اشترط على ربه، وهو - والعِيَاذ باللهِ - لا يوفِّي له، ولكن ما هي النَّتيجة والعاقبة؟ العاقبة عَظِيمة جدًّا، قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ} ولم يتصدقوا {وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}، ولم يَكُونوا من صالحين، والذي حصل {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا} أي بسبب ما {أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التَوبة: ٧٥ - ٧٧]، وهَذِهِ نتيجة - والعِيَاذ باللهِ - سيئة عَظِيمة جدًّا أن يجعل الله نفاقًا في قلب هَذَا النَّاذر الَّذِي لم يفِ بما عاهد الله تَعَالَى عليه؛ لأنَّه عاهد الله على هَذَا الشَّيء.


(١) أخرجه مسلم بلفظه، كتاب النذر، باب النهي عن النذر وأنه لا يرد شيئًا، حديث رقم (١٦٣٩)، وأصله في البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب الوفاء بالنذر.
(٢) أخرجه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب النذر في الطاعة، حديث رقم (٦٦٩٦)؛ عن عَائِشَة.

<<  <   >  >>