معنى:{تَوَلَّوْا} تُعرضوا، فالتولِّي الإِعْراض لكن من حيث اللَّفْظ أصلها تتولّوا، فإن تتولّوا، خطاب للنَّاس، فإن تتولوا - أيها النَّاس - {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ} إِلَى آخِرِهِ، لكن حذفت منه إِحْدَى التاءين، وقد اختلف النَّحويون هل المحذوف تاء المُضارَعة أو المحذوف تاء الفِعْل؟ منهم من قَالَ: المحذوف تاء الفِعْل، لأَن تاء المُضارَعة جيء بها لمعنى فلا يَنْبَغِي حذفها، ومنهم من قَالَ المحذوف تاء المُضارَعة؛ لأَن تاء الفِعْل أصليَّة وأما تاء المضارَعة فهي زائدة، فهي أولى بالحذف من الحرف الأَصْلي، وعلى كل حال الخلاف في هَذَا لفظي لا يترتب علَيْه أمر معنوي، لكن المُراد بقول:{تَوَلَّوْا} تتولوا، نظير ذَلِك، حذف إِحْدَى التَّاءَيْن، في قَوْله تَعَالَى:{فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى}[الليل: ١٤]، {تَلَظَّى} بمَعْنى: تتلظى، ولَيْسَ تلظى فعلًا ماضيًا، لو كَانَ ماضيًا لقال: تلظت، لكنَّه فعل مُضارِع حذف منه إِحْدَى التاءين.
قَوْلهُ:{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ}{عَلَيْهِ} أي: على الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - {مَا حُمِّلَ} من التبليغ والبَيان والدعوة؛ فإنَّه عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بلغ بلاغًا مبينًا ودعا النَّاس، أيضًا قَالَ تَعَالَى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ}[يوسف: ١٠٨]؛ فالواجب على النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أمران، والمُفَسِّر رَحَمَهُ الله اقتصر على أحَدهما، الواجب علَيْه التبليغ والدعوة، وقد بلَّغ ودعا - صلى الله عليه وسلم -، بلغ النَّاس ودعاهم وقام بما يَجب عليه.
قَوْلهُ:{وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} ما الَّذِي حُمّلنا؟ حُمِّلنا طاعته واتِّباعه. وعلى هَذَا فإن أخل هو بما يَجب علَيْه صَارَ مستحقًّا لما يترتب على ذَلِك، وإن أخللتم أنت بما