يَجب عليكم صرتم مستحقين لجزاء ذَلِك، والنَّبيّ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بلغ البلاع المبين؛ فقام بما حُمِّل، لكن الَّذينَ أعرضوا لم يقوموا بما حُمِّلوا، وفي هَذَا دَليل على أن الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ ملزمًا بهدايتهم، وهَذَا كثير في القُرْآن، قَالَ تَعَالَى:{لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ}[الغاشية: ٢٢] , وقَوْلهُ:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[يونس: ٩٩]، وقَوْلهُ:{فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ}[الرعد: ٤٠].
فالرَّسُول لَيْسَ ملزمًا بل إن الله نهاه أن يَكُون في صدره حرج وضيق وحزن؛ قَالَ تَعَالَى:{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ}[النحل: ١٢٧]، وقَالَ تَعَالَى:{لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[الشعراء: ٣]؛ يعني مهلك نفسك لعدم إيمانهم، وهَكَذا أيضًا من ورث النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وهم العُلَماء - إنما عليهم البلاع والدعوة، أما هداية الخلق فهو إلى خالقهم تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ولَيْسَ عَليْك هداهم.
قَالَ اللهُ تَعَالَى مرغبًا في طاعته:{وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} أي: إن تُطيعوا الرَّسُول عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {تُطِيعُوهُ}، وفي هَذَا إِشارَة إلى ما سبق من أن ما جاءت به السُّنَّة فهو حكم مستقل يَجب أن يُطاع ويتبع كما جاء في القُرْآن، ولهَذَا قَالَ:{تَهْتَدُوا} فالهداية مطلوبة؛ فإذا أمر النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بأمر فلا يجوز لنا أن نقول: هل لهَذَا أصل في القُرْآن أو لا؟ إن كَانَ له أصل قبلناه وإن لم يكن له أصل لم نقبله؛ لأَن هَذَا حرام، وهو كفر بالقرآن نفسه؛ لأَن الله يَقُول:{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} ثم قَالَ: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} فدل هَذَا على أن كل ما جاء به فهو حق وهداية، لَيْسَ فيه باطل وضلال.