للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلهُ: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} هَذَا الحصر حقيقيٌّ أو إضافيٌّ، وإذا قُلْنا: حقيقي كَيْفَ يَكُون حقيقيًّا وهو عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَجب علَيْه أن يُصلي وأن يزكي وأن يصوم؟ فالحصر الحقيقي معناه أن ما سواه منتهٍ، فهل يُمْكِن أن نقول: إن الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ علَيْه إلا أن يبلغ النَّاس، وأما أنَّه يفعل الطاعات هو بنَفْسِه فلَيْسَ علَيْه منها شَيْء؟

الجواب: هَذَا الحصر إضافي؛ يعني بالنِّسْبَةِ لما يَجب علَيْه نحوكم؛ لأنَّه قَالَ: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ} بالنِّسْبَةِ إليكم {إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}، أما أن يهديكم ويرغمكم على الحَقّ فهَذَا لَيْسَ علَيْه كما قَالَ اللهُ تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: ٢٧٢]؛ فيَكُون هَذَا الحصر بالنِّسْبَةِ لما يَجب علَيْه نحو أمته؛ فإنَّه لا يَجب علَيْه إلا البلاغ المبين، وهو حصر حقيقي بالنِّسْبَةِ لما يَجب علَيْه لا بالنِّسْبَةِ للعموم.

لكن الحصر الحقيقيَّ هو الَّذِي يَكُون بالنِّسْبَةِ إلى العُموم، لا شَيْء علَيْه سوى هَذَا، ومعنى قولنا: إضافي أي: بالإضافة إلى كذا، كما لو قلت: لا جواد إلا فلان، هَذَا حصر، أي: أنَّه لا يوجد جواد سواه، مع أن الأجواد سواه كثيرون، لكن معنى لا جواد إلا فلان بالنِّسْبَةِ إلى قبيلته مثلًا أو بالإضافة إلى بلده أو ما أشبه ذَلِك، فإِذَنْ الحصر يَكُون إضافيًّا إِذَا كَانَ بمَعْنى الإضافة إلى كذا، وإذا صَارَ الحصر بالإضافة إلى الكل فهو حقيقي.

قَوْلهُ: {الْبَلَاغُ} بمَعْنى التبليغ، وأصل البلاغ: الوصول إلى الغَايَة، يقال: بلغ كذا بمَعْنى وصل، فالمُبلِّغ موصل إلى غايَة؛ وهي: الهداية الَّتِي أَرَادَ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى

<<  <   >  >>