للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صَارَ مفارقًا لنا يسلك غير ما نسلك، ولِهَذَا قَالَ اللهُ تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: ١٠٤] ثم قَالَ: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: ١٠٥]؛ فدَلَّ هَذَا على أنَّه بترك الْأَمْر بالمعْرُوف والنَّهْي عن المُنْكر يَكُون التفرق، وهو أمر واقع طبيعي.

قَوْلهُ: {لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} {شَيْئًا} نكرة في سِيَاق النَّفي؛ فتعم أي شَيْء مما يُشرك به، ولَيْسَ الشِّرك خاصًّا بعبادة الوثن بأن يركع الْإِنْسَان ويسجد لشجر أو حجر أو قبر أو شمس أو قمر، لا، الشِّرك أعم من ذَلِك كله؛ حَتَّى إنه إِذَا أُطيع الْإِنْسَان في معْصِيَة الله يَكُون ذَلِك شركًا؛ قَالَ تَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: ٣١].

قَالَ عدي بن حاتم - رضي الله عنه -: يا رَسُول الله، إنا لسنا نعبدهم! قَالَ: "أَليْسَ كَانُوا يُحِلُّونَ لَكُمُ اطرامَ فتسْتَحِلُّونَهُ، وَيحرِّمُونَ عَلَيْكُمُ الحَلَالَ فَتُحَرِّمُونَهُ؟ "، قَالَ: نعم، قَالَ: "فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ" (١).

الرَّجل يفضل الدُّنْيَا ويقدمها على الْآخِرَة؛ هل هو مشرك أو لا؟ نعم، مشرك؛ لقول النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ" (٢)؛ لأَن أصل العِبادَة مأخوذ من الذُّلِّ، ومنه قولهم: طريق مُعَبَّد، يعني مذللًا لسالكيه يمشون عليه، فكون


(١) أخرجه التِّرمِذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة التوبة، حديث رقم (٣٠٩٥)؛ عن عدي ابن حاتم، واللفظ للطبراني في الكبير (١٧/ ٩٢) (٢١٨).
(٢) أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يُتَّقى من فتنة المال، حديث رقم (٦٤٣٥)؛ عن أبي هريرة.

<<  <   >  >>