والعَمَل الصَّالح، يعني: أن هَذَا التمكين وهَذَا الاستخلاف وهَذَا التبديل بالأَمْن بعد الخَوْف يَكُون إِذَا استمروا على عبادة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من غير إشراك به، فتكون الجُمْلَة هَذِهِ حالية أو استئنافية، والغرض منها بَيان أن هَذَا الوضع الحاصل أو هَذَا الوعد الَّذِي وعد الله به حاصل ما استمروا على عبادة الله وعدم الإشراك به، ونضيف هَذِهِ الصِّفة، وهي إخلاص التوحيد لله والبقاء علَيْه الَّذِي هو شرط للتمكين مع قَوْله تَعَالَى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج: ٤٠، ٤١]؛ هَذِهِ أربع صِفات مع هَذِهِ الصِّفة وهي العِبادَة بدون إشراك، فتكون أَسْبَاب النَّصر الَّتِي وعد الله به خمسة: عبادة الله بدون إشراك الَّتِي أعلاها التوحيد، ثم إقام الصَّلاة، وإيتاء الزَّكاة، والْأَمْر بالمعْرُوف، والنَّهْي عن المُنْكر.
فهَذه هي أَسْبَاب النَّصر الحقيقية الَّتِي بها ينصر الله عباده، وما عدا ذَلِك فلَيْسَ بسبب من أَسْبَاب النَّصر، ويلاحظ أن إعداد القوة داخل في ضمن هَذِهِ الأَشْيَاء، لأَنَّه من جملة عبادة الله حيث أمر الله به، وكل ما أمر الله به فهو من العِبادات، أما رجل يَقُول: أتمنى النَّصر لكن لا يقيم الصَّلاة من أين يأتيه النَّصر؟ ويقول: إنه يتمنَّى النَّصر لكنَّه لا يأمر بالمعْرُوف ولا ينهى عن المُنْكر، فمن أين يأتيه النَّصر؟ لا بُدَّ من أمر بمعْرُوف ونهي عن منكر، ولنثق أنَّه لا يُمْكِن أن يقوم للمُسْلِمين قائمة إلَّا بالْأَمْر بالمعْرُوف والنَّهْي عن المُنْكر؛ لأنَّهم إن لم يأمروا بالمعْرُوف وينهوا عن المُنْكر لزم ولابُدَّ التفرق بينهم، أنا أقول: إِذَا لم يأمر النَّاس بالمعْرُوف وينهوا عن المُنْكر، فإنَّه يَلْزَم لزومًا حتميًّا مؤكّدًا أن يتفرقوا، لأَن مشرب النَّاس لَيْسَ واحدًا وهدفهم لَيْسَ واحدًا، هَذَا أمر بالضَّرورة، فمثلًا الَّذِي ارتد عن الإِسْلام إِذَا لم نرده إلى الإِسْلام