للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جَزُور بني فلان، فيلقيه على محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو ساجد، فانبعث أشقى القوم فجاء به ووضعه على النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -وهو ساجد، فجعلوا يضْحَكُون ويهزؤون به، حَتَّى إن بعضَهم يسقط من الضَّحك والسُّخرية، إلى أن جاءت فاطمة ابنته وكانت صغيرة لا يجرؤون على أن يمنعوها، فأخذت هَذَا من على ظهره - صلى الله عليه وسلم - (١).

فأقول: هَذَا البَيْت الَّذِي كَانَ حال المُسْلِمِينَ فيه على هَذَا الوضع بعد مدة وجيزة -ولله الحمد- وقف النَّبِيّ عَلِيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ على عتبة الباب حكمًا في قريش الَّذينَ هم فعلوا به ما فعلوا وقال لهم: "مَا ترَوْنَ أَنِّي صَانِعٌ بِكُمْ؟ " قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، وفي هَذَا المقام الَّذِي يسْتَطيع أن ينتقم كما يُرِيد عَلِيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قَالَ لهم: "أَقُولُ كَما قَالَ يُوسُفُ: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ" (٢)؛ فأي تمكين أقوى من هَذَا التمكين وأي عَزَّ أعلى من هَذَا العز، فصدق الله وعده تَبَارَكَ وَتَعَالى في مدة وجيزة - ولله الحمد -، وإلَّا فمن كَانَ يفكر أنَّه في خلال ثمان سنوات من خروج النَّبِيّ عَلِيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلى عام الوفود، كما هو معْرُوف، ثم يرجع فاتحًا منصورًا مؤزرًا.

يَقُول المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ: [وَقَدْ أَنْجَزَ الله وَعْده لهمْ بِمَا ذُكِرَ وَأَثَنَى عَلَيْهِمْ بقَوْلهُ: {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}].

المُفَسِّر يرى أن هَذِهِ الجُمْلَة استئنافية للثناء عليهم، ويحتمل أن تَكُون هَذِهِ الجُمْلَة استئنافية لَيْسَ الغرض منها ثناء بل الغرض منها استمرار الصِّفة من الإِيمَان


(١) أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة، حديث رقم (٢٩٣٤)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النَّبِيّ لَهُم من أذى المشركين والمنافقين، حديث رقم (١٧٩٤)، عن عبدِ الله بن مسعود.
(٢) رواه ابن إسحاق في السيرة (٤/ ٣١ - ٣٢)، وعنه الطَّبري في التاريخ (٣/ ١٢٠).

<<  <   >  >>