أما العَظِيم فإنَّه لا يعظِّم إلَّا ما يستحق التَّعظيم، ولا يمدح إلَّا ما هو عَظِيم جدًّا، ولا يذمُّ إلَّا ما هو مذموم وذمه شديد.
لو قَالَ قَائِلٌ؛ في وصف النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ اللهُ تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: ٤]، هل هَذَا العظم بالنّسْبَةِ لأخلاق البشر أو ماذا؟
الجواب: الرَّسُول عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَظِيم بالنِّسْبَةِ لأخلاق البشر، لكن هَذَا العِظَم عظم إلى الحَدّ الَّذِي يصل إلَيْه البشر، لكن ربما أنا أقول: هَذَا الرَّجل على خلق عَظِيم، لأني جلست معه مدة قليلة ووجدت منه أخلاقًا فاضلة ولَيْسَ الحال كَذلِكَ، أما إِذَا قَالَ ذَلِك إِنْسَان عَظِيم يعرف الْأُمُور ويقدر الْأُمُور عرفنا عظمه، وأما عظم ما في الجنَّة فإن الجنَّة فيها ما لا عَيْنٌ رَأَتْ ولا أُذُنٌ سِمِعَتْ ولا خَطَرَ على قَلْبِ بشر، وما ذكر الله من الجنَّة والنَّار فلَيْسَ مما نتصوره بل أعظم وأعظم، لأَن فيها شَيْء لا ندركه في الدُّنْيَا، ولِهَذَا هي من الْأُمُور الَّتِي لا يعلمها إلَّا الله، أي: حقائق ما في الجنَّة وما في النَّار من الْأُمُور الَّتِي لا يعلمها إلَّا الله.
ولِهَذَا حسب مفهومِنا أن الْإِنْسَان إِذَا أُدخل في النَّار يحترق ويموت، لكن في نار الْآخِرَة لا، يذوق الْعَذَاب ويتألم، وقول من قَالَ: إنهم - والعِيَاذ باللهِ - لا يدركون حرّها ويتأقلمون معها، هَذَا قَوْل باطل بلا شَك، ولِهَذَا يَقُول الله تعالى:{بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}[النساء: ٥٦] فدَلَّ ذَلِك على أنهم يحسون ويتألمون.