{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}، وقال في أهل النَّار:{إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}.
لكن لَيْسَ معنى قَوْلهُ:{إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} أنَّه سيرفع عنهم هَذَا الْعَذَاب، بل لما كَانَ هَذَا انتقام منه وهَذَا العَمَل لَيْسَ من الْأَمْر الَّذِي يختاره الْإِنْسَان حَتَّى تُذكَرُ منة الله علَيْه باستمراره، قَالَ في هَؤُلَاءِ:{إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} فلا يمنعه شَيْء أن يفعل ما يُرِيد، وقال في أهل الجنَّة:{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}.
وأما قَوْله تَعَالَى: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (٢٣)}، فيُقال: الآيَة لَيْسَت صريحة، فقَوْلهُ:{أَحْقَابًا} متعَلِّقة بما بعدها، يعني: {أَحْقَابًا (٢٣) لَا يَذُوقُونَ} [النبأ: ٢٣، ٢٤]، وهَذَا ضعيف عندي، أو يُقال:{أَحْقَابًا} أي: مددًا طويلة، وهَذَا لا يُنافي التَّابيد؛ لأَن التَّأبيد لا ينقص عن الأحقاب، فالتَّابيد أحقاب، مهما طالت، أي: أحقاب طويلة. والأحقاب: جمع (حُقب)، وهي المدة من السنين، يعني: أحقابًا أحقابًا أحقابًا متوالية، إلى ما لا نهاية له. فلو قُلْنا مثلًا: الحقب ثمانون سنة، وقُلْنا: الأحقاب يعني مددًا طويلة، كل حُقب ثمانون، ثمانون، إلى ما لا نهاية له، ونعم، لو قَالَ:"أحقابًا عددها كذا" كَانَ له وجه، فحتى المدة المؤبدة هي أحقاب في الحَقيقَة.
ومهما كَانَ الْأَمْر ومهما فهِمنا من كَلِمة (أحقاب) ومن التَّحقيب، فإنها لا تُعارِض الأدلَّة الصَّحيحة في التأبيد.
واعلم أن ما ذمَّه الله عَزَّ وَجلَّ أو ما مدحه فإنَّه أمر عَظِيم، فالعَظِيم لا يرى الشَّيء العَظِيم إلَّا وهو صحيح أنَّه عَظِيم، لكن غير العَظِيم قد يرى ما لَيْسَ عَظِيمًا عَظِيمًا،